زهرة بن سمرة: المصداقيّة والتّصوير

ما زال العالم العربي يتخبّط بين الأزمات والحروب منذ العقدين الماضيين. وفي هذا الصّدد، تجسّد زهرة بن سمرة كيف يبني الالتقاء بين جانبيّ الحياة الشّخصي والعملي شخصيّة فريدة كون توثيق هذه الأحداث صعب ويفطر القلب. زهرة مصوّرة فوتوغرافيّة جزائريّة، أو مصوّرة صِحافيّة، تعمل حاليًّا في وكالة رويترز. وثّقت حروبًا في كل من شمال أفريقيا، والشّرق الأوسط، والشّرق الأدنى، وتضمّن عملها توثيق أعمال إرهابيّة عرّضت حياتها للخطر. خلال عملها لأكثر من 25 عامًا، تستذكر زهرة الأحداث الّتي قولبت أفكارها وسلوكياتها، وخصوصًا حبّها العظيم لبلادها، للجزائر.

لطالما أرادت زهرة أن تصبح طبيبة عيون في صغرها، ولأنّها شخص مثابر، لم تغيّر قرارها. وهي تستذكر حادثة من طفولتها زادت اهتمامها بالتصوير الفوتوغرافي. كانت زهرة في صغرها تأخذ آلة التصوير الخاصة بأخيها. لم يعر أخوها الأمر اهتمامًا إلّا عندما تكرر الأمر. عندما لاحظ اهتمامها بآلة التصوير، اشترى لها واحدة لتستخدمها بنفسها. بدأت زهرة تستخدم آلة التصوير الجديدة، وعندما كان الفيلم يكتمل، كان أخوها يحمّضه. لكنّ ذلك لم يؤثر على قرارها بدراسة الطّبّ، حيث بقيت مصرّة على خوض هذا المسار.

كان خيار زهرة لمهنتها الحاليّة تلقائيًّا. فعندما أصبح عمرها 20، تواصلت معها صديقتها لتخبرها عن فرصة عمل شاغرة ومثيرة للاهتمام. كان هناك جريدة أخبار محليّة في صدد التعاقد مع مصور فوتوغرافي ليوثّق القصص والأخبار. اعتبرت زهرة أن التقديم على هذه الوظيفة فكرة جيّدة، لكنّها كانت متردّدة لأنّها لا تملك أية خبرة في مجال التّصوير الصِّحافي ولا تملك شهادة جامعية في هذا المجال. عندما تعاقدت معهم، كان لديها الكثير من الشكوك، لكنها عملت بجدّ لتثبت أن بمقدورها نقل الواقع من خلال التصوير الفوتوغرافي. إنّ اكتساب زهرة للخبرة واثبات كفاءتها في تلك الجريدة خلال أحداث مهمة في البلد فتح الطّريق أمام فرص أكبر لها، بحيث تم التعاقد معها في رويترز.

دائمًا ما يترك رأي أفراد العائلة أثرًا في ذهن الشّخص. كانت عائلة زهرة داعمةً لها خلال نشأتها. لم تشعر يومًا بأن أهلها حطّوا من عزيمتها تجاه اللّحاق بما تحبّ. ولكن، تغيّر الأمر عندما قرّرت العمل في مجال التّصوير الصِّحفي الذّي يتطلّب وجودها في ساحة المعركة. عارض والد زهرة قرارها، كحال جميع الأهل، خوفًا من أن يصيبها أي مكروه.  لم تكن معارضته نابعة من كونها فتاة، بل فقط لأنه لا يريد لأحد من أولاده أن يكون معرّضًا للإصابة أو للموت. على الرّغم من ذلك، قرّرت زهرة الاستمرار بعملها الذّي بدأت به وتركت منزل والديها لتتابع مهنتها. وقالت لوالدها، بأنّ لديها إيمان راسخ بالقدر، وأنّه لا يمكن لأحد أن يوقف ما سيصيبه، سواء أكان في غرفته أو في ساحة المعركة، ولا يمكن لأحد الرّجوع بالزّمن للوراء.

أمّا الحدث الأوّل البارز الّذي كان على زهرة توثيقه هو الحرب الجزائريّة (1991-2002) حيث عزمت  زهرة على التّحلّي بالشّجاعة لتتحدّى واقعها كون محيطها لم يكن مشّجعًا لذهابها إلى ساحة المعركة وتصوير الأحداث. وهي تذكر بوضوح الصّور الأولى الّتي التقطتها، والانهيار الَذي مرّت به عند التقاطها.

وهي تفيد بأنها لو لم تقم بتحميض الأفلام الفوتوغرافيّة وسط الفوضى، لما واصلت مسيرتها المهنية كمصورة صِحفيّة. فعلى الرغم من خوفها من تحميض الفيلم في ذلك اليوم، قررت صديقة زهرة تحميض الفيلم لها لأنها كانت تعلم مدى أهميته بالنسبة إليها. استيقظت زهرة في اليوم التالي لتجد مشاعر مختلفة تختلجها، وكانت على استعداد لمواجهة أي تحدٍّ قد ينشأ في حياتها المهنية. هذا الحدث، باعتباره الأول لها، تكرر على مر السنين خلال الأحداث الكبرى الأخرى في مختلف أنحاء المنطقة العربية. تتذكر زهرة وجودها في لبنان خلال حرب 2006 ضد إسرائيل. وتعيد رواية القصة عندما وثّقت قصف منطقة قانا في جنوب لبنان. الدموع نفسها تُذرف كلّ مرّة؛ تعلمت زهرة كيف تتخطى عواطفها لأنّ العالم كان ينتظر القصة.

خلال عملها في الجزائر، لم تواجه زهرة أي تمييز كونها امرأة في مجال الصٍّحافة. وهي تعتقد أن المرأة لا ينظر إليها على أنها أدنى مرتبة في هذا المجال لأن المجتمع يهدف إلى تنشئة نساء قويات مستقلات. تتذكر زهرة أنها ذهبت في رحلة عمل إلى العراق أثناء النزاعات حيث تلقت تعليقًا كارهًا للمرأة من زميل لها. لم يكن من السهل سماع طلب عودتها إلى المنزل لأنها امرأة. زهرة، بشخصيتها القوية، قاومت ودافعت عن حقها. رفضت أن يُقال لها ما يجب أن تفعله على أساس جنسها. وهي تسلط الضوء على تلقيها الدعم من مشرفها في رويترز في ذلك الوقت الذي لم يقبل أي نوع من التمييز.

تشعر زهرة أن تاريخ بلادها أو ما ساهمت فيه لا يزال مجهولاً. تقرّ بأن العديد من الاختراعات نشأت من المنطقة العربية من خلال علماء عرب ومسلمين، لكن القليل فقط يتذكرون ذلك. وعلى الرغم من حبها العظيم للجزائر، فهي تعتقد أن المدارس تؤدّي دورًا في بناء أجيال تحب البلاد دون قيد أو شرط، ومن دون أن تتمكن من انتقاد أي مخالفات. هذا الأمر، بحسب زهرة، يسبب الصراعات ويؤدي بالناس إلى مغادرة البلاد عندما يشعرون أن ثمة شيء غير صحيح، بدلاً من البقاء والنضال من أجل الإصلاح.

إذا كانت هناك صفة واحدة تريد زهرة أن تتمتع بها الفتيات، فستكون الصدق لأنّها تعتقد أن عدم التّحلّي بالصّدق لن يسمح لأي فتاة أن تقود حياة مهنية مثمرة وأن تعيش حياة سليمة. من خلال تجارب عملها، رأت زهرة عن كثب كيف تسبب الكذب في إحداث تأثيرات هائلة على حياة الناس وعلى عقولهم. هي تناقش الصدق من منحيان. المنحى الأول يتجلّى في الصدق مع الذات والاستماع إلى صوت العقل، والثاني يتبيّن في الصدق في العمل والتصوير الحقيقيّ للواقع. لاحظت زهرة أن هذا الأخير صعب في عالمنا اليوم، حيث يتم استخدام الفوتوشوب في التصوير الصِّحفي ونشر المعلومات المزيفة.

هذه القصة من تأليف تمارا سليمان

Leave a Reply

Discover more from The Asfari Institute for Civil Society and Citizenship

Subscribe now to keep reading and get access to the full archive.

Continue reading