الدّكتورة أحلام بالحاج هي طبيبة نفسية للأطفال اختارت الخوض في هذا المجال أثناء دراستها الطّبّ، فدراستها لعلم النفس في التسعينيّات في تونس هو إنجاز آخر يضاف إلى إنجازها في دراسة الطب في الفترة نفسها. كانت الدّكتورة بالحاج في ذلك الوقت في ذروة إيمانها بأنّ عملها يجب أن يكون له تأثير مباشر على المجتمع التونسي، وقرّرت مساعدة الأطفال الّذين يواجهون تحدياتٍ شخصية.
كانت عائلة الدّكتورة بالحاج من المؤيدين لتعليم المرأة، فقد اختارت دراسة الطب في وقتٍ لم تكن لدى الكثيرات في تونس رغبةٌ أو قدرة على القيام به، مخالفةً بذلك الطريقة الّتي تعاملت بها المجتمعات العربية مع النساء اللواتي التحقن بالتعليم العالي. ونظرًا إلى تفوقها في المدرسة، فقد كان لها خيار التّوجّه نحو الطب أو الهندسة، لكنّها اندفعت نحو المجال الّذي يمكن أن يكون له تأثير مباشر على المجتمع. في المقابل، لم تحظى الدّكتورة بالحاج بالتشجيع نفسه من المجتمع، فقد كان الناس من حولها يطلبون منها تغيير مسارها وإيجاد وظيفة لها في القطاع الخاص عوضًا عن ذلك، ما يعبّر عن شكلٍ من أشكال التّمييز ضدّ المرأة. وظلّت عائلتها المصدر الأساس لقوّتها، والسّبب الرّئيس لاستمرارها ونجاحها كطبيبة نفسية. وهي تؤمن أنَّ عملها كطبيبة للأطفال هو من أبرز نقاط القوّة لديها، بالإضافة إلى رحلة الأمومة التي كانت مليئة بالتّحديات، إنّما مثمرة في الوقت نفسه.
ولو شاءت أحلام، لاستطاعت العمل في القطاع الخاص في تونس، لكنّها كانت من أكثر المؤمنين بضرورة توفير رعاية صحية متكافئة للجميع. وبالنسبة إليها، فإنّ الرعاية الصحية تشمل الصحة العقليّة كما الجسديّة. وقد عملت الدّكتورة بالحاج في مشفًى حكوميٍّ في تونس، حيث لم يتوفر قسم خاص بالطب النفسي. وفي الواقع، كان السّائد بأن مشافي الطب النفسي تقتصر على الذين يعانون من مشاكل نفسية حادة، وهذا ما جعلها تشعر بالإحباط. فهذا الأمر، بطبيعة الحال، دفع الناس إلى تجنب الذّهاب إلى هذا النوع من المشافي من أجل تلقي العلاج لأمراض أو صعوباتٍ قابلة للعلاج وأقلّ خطورةً من تلك التي تعالجها مشافي الطب النفسي. وقد قررت الدّكتورة بالحاج افتتاح قسم جديدٍ للأمراض النفسية ضمن المشفى الحكومي الذي كانت تعمل فيه كي تتيح الفرصة أمام جميع الناس لتلقي ما يلائم حالتهم من التشخيص والعلاج والمتابعة. وبالنسبة إلى أحلام، كان ذلك يمثّل علامة فارقة إذ لمست قدرتها على إحداث التغيير.
في عام 2004، ترأست الدّكتورة بالحاج الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات. ومن خلال إيمانها بالمساواة بين الجنسين وبالمساواة الاجتماعية، فقادت عدة مسيرات نسائية ضد الرئيس التونسي في ذلك الوقت، وكان يُنظر إليها على أنها أيقونة نسويّة في تونس، وتحديداً خلال ثورة الياسمين عام 2011. كما دافعت عن حق المرأة في التقدم للحصول على جواز سفر خاص بها وجوزات سفر لأولادها، مسترجعة ذلك الحق من النظام البطريركي. وقد وصفت المقاومة الاشتراكية الدّكتورة بالحاج بأنها “بطلة الربيع العربي التونسية”، وحصلت كذلك على جائزة سيمون دي بوفوار.
لا شكّ أن النشطاء في العالم العربي قد حظوا بتجارب مميزة مع المنظمات غير الحكومية. وباعتبار الدّكتورة بالحاج ناشطة نسوية ومتخصصة في الرعاية الصحية للأطفال، فقد استفادت كثيرًا من المنظمات غير الحكومية في سعيها إلى تحقيق العدالة ونشر الوعي. وتشير الدّكتورة بالحاج إلى أنها تعاونت مع العديد من المنظمات النسوية في العالم العربي وفي الخارج لإثارة مخاوف المرأة حتى يصل صداها إلى صنّاع القرار. وعلى الرغم من أنّ الدّكتورة بالحاج تولي اهتمامًا خاصًّا بالنساء، فهي تقر بأن مختلف الفئات الاجتماعية تعاني بطريقة أو بأخرى في المجتمع، مثل العاملين في القطاع العام الذين لا يتقاضون رواتبهم في الوقت المحدد. وتقر الدّكتورة بالحاج كذلك بأن الحقوق ليست موحدة في جميع الثقافات، ومع ذلك، يجب استعادة جميع الحقوق بغض النظر عن السياقات المختلفة. وتضيف أن النساء الديمقراطيات يجب أن يدافعن دائمًا عن عالمية الحقوق وأن لا يمانعن في التعددية الثقافية.
“المثابرة، ثم المثابرة، ثم المثابرة”. هذا ما تقوله الدّكتورة بالحاج لتنصح الفتيات بالمثابرة على ما يقمن به، كما تنصحهن بعدم الاستسلام بسهولة. وهي تؤمن أن الفتيات لا ينبغي أن يكتفين بهدفٍ واحدٍ في الحياة، بل أنّ عليهنّ بناء الأهداف واحدًا تلو الآخر، والسعي إلى تحقيقها على مراحل متتالية. كما تؤمن كثيرًا بالفتيات اللواتي يرغبن في الوصول إلى وجهةٍ محددة، كما تحثّهنّ على دراسة جميع السبل التي تؤدي إلى هذه الوجهة. وهي تعتبر أنّ مسألة وجود خطة واضحة مع دراسة جميع الاحتمالات الواردة، تسمح للفتيات بتحقيق إنجازاتٍ هامة في الحياة، سواءً على الصعيد الأكاديمي أم المهني.
ولم تكن الدّكتورة بالحاج عرضةً لوسائل الإعلام كما هو شأن فتيات هذا الجيل أثناء نشأتها. وهي تعتبر أن وسائل الإعلام لها آثار سلبية وأخرى إيجابية على الفتيات الصغيرات. كما تقول الدّكتورة بالحاج أن بعض منصات التواصل الاجتماعي تقدم نصائح هامة ومعلومات موثوقة، ما يسمح بتوسيع المعارف حول العديد من الموضوعات بطريقةٍ سهلةٍ وسريعة. وإلى جانب ما تثيره وسائل التواصل الاجتماعي من فضولٍ لدى المرء، تعتقد أنّ لهذه الوسائل تأثير سلبي قوي على الشباب، حيث تختلط فيها المعلومات الكاذبة بمعلومات حقيقية وموثوقة. وتضيف أنّ وسائل التواصل الاجتماعي تمثّل أيضًا مساحة لخرق المعايير الأخلاقية. وتشير ناصحةً الفتيات إلى أنّ السّبيل للتعامل مع هذه القضية التي تحيط بنا اليوم، هو التنبّه لما يقرأنه ولما يتابعنه. كما تنصحهن بالتفريق بين الأخبار الكاذبة والأخبار الصحيحة حتى لا تؤثر عليهن في المستقبل.
وبما أنّ الدّكتورة بالحاج هي طبيبة نفسيّة للأطفال، ففي جعبتها ما تقدّمه للمدارس من نصائح منبثقة عن تجربتها الخاصّة. إذ تنصح المدارس باحترام خصوصيّة الفتيات، وتعتبر هذه النصيحة هي الأكثر تأثيرًا في الفتيات بالرغم من أنه ثمة الكثير من النصائح التي يمكن تقديمها للمدارس في تونس فيما يتعلق بالفتيان والفتيات. وعلى امتداد حياتها المهنيّة، تبين لها أنّ الفتيات يفتقدن الشعور بالأمان، ويفتقرن إلى الثقة بأي نظامٍ تعليمي. وقد دفعها إلى تقديم نصيحة للمدارس وللجامعات مفادها أن تتضمّن برامج التدريس فكرة تصنيف المناهج الدراسية على أساس الجنس، إذ إنّ الأنظمة الحالية تستهدف الفتيان والرجال في المقام الأول.
وتؤمن بضرورة إتاحة الفرصة أمام الفتيات لاستكشاف أقصى ما يملكن من قدرات في شتّى الميادين التعليمية، وبأهمية تلقّيهنّ للمتابعة دون تحمّل أية عواقب مرتبطة بجنسهنّ أو تركيبتهنّ البيولوجيّة. وهي على ثقة أنّه من خلال ذلك، ستكبر الفتيات وسيعملن على إصلاح مجتمعهنّ، ويصبحن رائدات للتّغيير، وذلك بالتعاون مع أقرانهن من الأعضاء الفاعلين في المجتمع.
هذه القصة من تأليف تمارا سليمان
Leave a Reply