إسرا صالح
كعادة كل الأزمات والكوارث العالمية، تتحمل النساء العبء الأكبر من التأثيرات الناتجة عن كافة تلك الأزمات. ذلك بفعل الخلل المتجذر في موازين القوى المجتمعية بين الجنسين، والذي يتفرع منه تكريس ما يعرف بالأدوار الجندرية ووظائف كل من النساء والرجال في المجتمع. ولعل الوظيفة الأساسية التي كرست للنساء منذ قديم الأزل وفقًا للرؤية الأبوية السائدة، هي الإنجاب ورعاية الأطفال. من ناحية أخرى، جاء وباء كورونا الذي اجتاح العالم أجمع منذ عام 2020 وحتى هذه اللحظة لم يتم السيطرة عليه بالكامل، كمثال توضيحي قاطع عن الكوارث العالمية التي تودي بحقوق النساء، وخاصة في المجتمعات التي تتعمد تهميش النساء واحتياجاتهن الأساسية
على رأس هذه الحقوق، الحقوق الإنجابية -أو اللا إنجابية- للنساء، والتي بدورها شهدت تراجعًا كبيرًا خلال فترة انتشار وباء كورونا، نظرًا لتردي الخدمات الصحية المقدمة أو نقص الموارد فيما يخص الصحة الإنجابية خلال تلك الفترة. بالإضافة إلى إعادة توجيه أغلب الموارد الصحية إلى خدمات وإجراءات الاستجابة لمكافحة الوباء كأولوية قصوى – والتي ليست بالضرورة تشمل النساء- وبالتالي تنحية الخدمات الصحية الأخرى جانبًا، مما أدى إلى تقويض الخدمات الخاصة بالصحة الإنجابية والخصوبة وتنظيم الأسرة وكل ما يتعلق بها خلال تلك الفترة
نفاذ محدود إلى الخدمات
أثناء الفترة الأولى لانتشار الوباء وحالة الارتباك العامة والخوف من العدوى، واجهت النساء العديد من التحديات في الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة. على سبيل المثال، ساهمت إجراءات العزل الصحي والإغلاق العام في تقييد حركة النساء وبالتالي إمكانية وصولهن إلى هذه الخدمات، نظرًا لعدم قدرتهن على الحركة والتنقل في الشوارع والذهاب لتلقي وسيلة منع الحمل المناسبة خوفًا من العدوى. تشير دراسة صادرة عن صندوق الأمم المتحدة للسكان في مطلع آذار/مارس من العام الجاري عن تأثير كورونا على صحة النساء الإنجابية في مصر، إلى أن العديد من النساء التي صادفت فترة حملهن مع انتشار الوباء، لم يتمكنّ من زيارة الطبيب/ة المختص/ة من أجل متابعة حملهن، وذلك بسبب إجراءات الحماية المفروضة في ذلك الوقت
إضافة إلى ذلك، تقلصت قدرة النساء على الوصول إلى المعلومات الطبية المناسبة الخاصة بالصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة أثناء فترة انتشار الوباء. لذا، فقد اعتمدت أغلب النساء اللاتي شملتهن الدراسة على نصائح المعارف القريبة لهن في هذا الشأن، حيث أضافت أغلب النساء أنهن اعتمدن في الاستشارات الطبية المتعلقة بالصحة الإنجابية أو وسائل منع الحمل على توصية من الأصدقاء أو الجيران أو الصيادلة. في الوقت نفسه، لم تشر أي منهن إلى تلقي إرشادات بشأن الاستخدام الصحيح أو الآثار الجانبية وكان الاعتماد فقط على النصيحة الشفهية، ما عدا حالات التعرض لمضاعفات شديدة أو النزيف مثلًا التي لجأن فيها لزيارة الطبيب/ة أو المستشفى
القطاع الخاص ليس اختيارًا
أيضًا، اضطرت العديد من النساء إلى اللجوء إلى المراكز الصحية الخاصة كبديل عن المراكز العامة أو الحكومية، وذلك لعدة أسباب منها على سبيل المثال، طول فترة الانتظار في المرافق الصحية العامة التي تقدم خدمات الصحة الإنجابية، بينما يتم توفير ذلك الوقت في حالة زيارة المرافق الخاصة. كما فضلت العديد من النساء الحوامل إلى تلقي الخدمات المتعلقة بالصحة الإنجابية في المنشآت الخاصة، في اعتقاد أنها قد تكون أكثر ثقة من حيث تفعيل التدابير اللازمة لتقليل خطر الإصابة بالعدوى. كذلك، كانت المرافق الصحية الخاصة هي الخيار الأنسب في ذلك الوقت عندما يتعلق الأمر بالولادة، حيث تحولت بعض النساء ممن سبق لهن الولادة في المستشفيات العامة إلى المستشفيات الخاصة، وذلك خوفًا من الإصابة أو تحول بعض المستشفيات العامة إلى مراكز عزل حالات كورونا
في الوقت نفسه، أغلقت العديد من مرافق تقديم خدمات الصحة الإنجابية أبوابها أو علقت عملها أثناء فترات الإغلاق العام مع الوباء، في حين حولت بعض المرافق أنشطتها إلى خدمات مكافحة الوباء والعزل الصحي. ذلك بحسب الدراسة التي أطلقتها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USIAD) عن تأثير كورونا على الخصوبة في مصر، التي أشارت أيضًا إلى أن فترة انتشار الوباء قد صاحبها نقصًا في مخزون عدد من وسائل منع الحمل لدى بعض المرافق الصحية، منها على سبيل المثال حبوب منع الحمل التي تؤخذ عن طريق الفم، بالإضافة إلى حقن الثلاثة أشهر. كما تراجع مخزون الصيدليات الخاصة من حقن منع الحمل الشهرية، وبعض أنواع الحبوب أيضًا خلال تلك الفترة، فضلًا عن امتناع بعض مقدمي/ات خدمات الصحة الإنجابية عن تركيب اللولب الطبي لمنع الحمل للنساء بسبب الخوف من انتقال العدوى
بالتالي شهدت تلك الفترة العديد من حالات الحمل غير المخطط أو غير المرغوب، حيث إن 20.5% من مواليد عام 2021 لم يكن مرغوبًا فيهم على الإطلاق، وفقًا للمسح الصحي للأسرة المصرية الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، بالرغم من وجود تحسن عام في مؤشرات تنظيم الأسرة بالمقارنة بمسح عام 2014، والذي كان آخر مسح صحي في مصر حتى العام 2022
هذه التحديات التي واجهت النساء فيما يتعلق بصحتهن الإنجابية خلال فترة انتشار الوباء، كان لها عدد من التأثيرات مثل الحالات الكثيرة للحمل غير المخطط له التي نتجت عن تلك الفترة، وفقًا لدراسة USAID. ذلك نظرًا لتقويض قدرة النساء على الوصول أو تلقي الخدمات المناسبة لتنظيم الحمل خلال فترة انتشار الوباء. وبطبيعة الحال، كانت النساء الأفقر والنساء في المناطق الريفية النائية أكثر عرضة للمعاناة للوصول إلى خدمات تنظيم الأسرة وما يرتبط بها من حالات الحمل غير المرغوب فيه. كما تحملت النساء أعباء مادية أكبر أثناء تلك الفترة، والتي جاءت كنتيجة لاضطرار العديد من النساء إلى اللجوء إلى المرافق الصحية الخاصة وما يستتبعها من تكاليف إضافية. أما النساء اللاتي لم يستطعن تحمل التكلفة المادية لخدمات القطاع الخاص، فقد انتهى بهن الحال إلى تأجيل تلقي الرعاية المطلوبة أو تلقي رعاية غير مناسبة من قبل موظفين/ات ذوي/ات خبرات محدودة
الجدير بالذكر أن إهمال حقوق النساء الإنجابية في الأوقات الحساسة مثل انتشار الجائحة، إنما ينعكس على السياسات التي تتبناها الحكومة فيما يتعلق بتنظيم النسل، والذي تعتبره الدولة المصرية أحد أولوياتها التي يناشد بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في خطاباته. بالتالي فإن تهميش صحة النساء الإنجابية، من شأنه أن يقوض مجهودات الدولة المصرية في هذا الشأن
مما سبق يمكن استنتاج أن تأثير وباء كورونا ليس استثناء على القاعدة التي تفترض أن حقوق النساء هامشية أو ليست ذات أولوية في حالات الأوبئة والكوارث العامة، وبالتالي يكشف المزيد من هشاشة أوضاع النساء وغياب التركيز على الخدمات المتعلقة بهن أثناء مواجهة الأزمات وتوجيه الأولوية لكافة الخدمات الأخرى في تجاهل واضح لاحتياجات النساء الأساسية
عن الكاتبة
إسرا صالح، صحفية وباحثة نسوية مستقلة من مصر. حاصلة على الماجستير في الصحافة والإعلام الجديد من معهد الإعلام الأردني بعمان. متخصصة في الصحافة الحساسة للنوع الاجتماعي
Leave a Reply