سعيدة الكامل
تنطق لغة الأرقام بحجم الضرر الذي خلفته جائحة كورونا على أوضاع النساء بالمغرب في حقول مختلفة، بدايةً من النسب الضعيفة للانخراط في سوق العمل إلى ارتفاع معدلات العنف ضدهن، وهو ضرر يلحق أزيد من نصف المجتمع فيعطل بنية بكاملها عن الترقي، وهو ما لا يتوافق مع الخطاب الرسمي السائد حول الاهتمام بقضايا النساء، ولا يتوافق أيضًا مع دستور البلاد الذي يقر بالمساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات. كشفت الجائحة عن خبايا التفاوت بين ما يمثله حضور المرأة في الخطاب الرسمي وبين التقدم المحقق والذي لا يرقى لما تنادي به وتتبناه المؤسسات الرسمية، لتظهر ركودًا ناتجًا عن عطب دفين في قدرة البنية المجتمعية والاقتصادية والسياسية على تفعيل أدوار النساء في المجتمع المغربي
صرحت المندوبية السامية للتخطيط، وهي مؤسسة رسمية غير حكومية، في بحث لها حول وضعية الأسر أن مؤشر ثقة الأسر، وهو مؤشر يرصد آراء الأسر حول تطور مستوى المعيشة والبطالة وفرص اقتناء السلع المستدامة وكذا تطور الوضعية المالية، سجل أدنى مستوى له سنة 2022، فقد وصل المؤشر لأدنى مستوى له على الإطلاق هذه السنة جارًا خلفه عدًا تنازليًا ازداد وتيرته منذ بداية الجائحة. فقد انتقل مؤشر ثقة الأسر خلال الفصل الثاني من هذه السنة إلى 50.1نقطة، في الوقت الذي سجل فيه الفصل السابق من نفس السنة 53.7 نقطة، بينما سجل الفصل الثاني من السنة الماضية 63 نقطة
يعطي تحليل مكونات هذا المؤشر، والذي يدرس تطور الوضعية المالية وتطور مستوى المعيشة، لمحة عن فقدان الأسر ضمنيًا ثقتها في السياسات الحكومية لتحسين الدخل وضمان مستوى معيشي مستقر، وذلك على الرغم من تشكيل حكومة جديدة لم تكمل بعد سنتها الأولى، وقد حملت الحكومة وعود بتحسين الأوضاع الاجتماعية، إلا أن الأرقام والإحصائيات لا تشير إلى إمكانية تحقيق هذه الوعود، فالاقتصاد المغربي لم يتعاف من الآثار الاقتصادية للجائحة بعد، بالإضافة إلى أن المغرب تشهد موسم جفاف لم تر مثيلًا له منذ عشرين عامًا على الأقل
تشير هذه الأرقام والإحصائيات إلى تأثر النساء داخل الأسر، واعتبارهن الفئة الأكثر تضررًا من الجائحة، وتشير أيضًا إلى ضعف الثقة لديهن في تحسن الأوضاع على المدى القريب، وهي خيبة أمل لا تنطق بها الأرقام فقط، بل إن الاستياء يعبر عنه بأشكال مختلفة، ففي الشهور الأولى من عهد الحكومة الجديدة التي يرأسها عزيز أخنوش تصدر وسائل التواصل الاجتماعي وسم يطالب برحيلها، بل عرفت عدة مدن أشكالًا احتجاجية ضد غلاء الأسعار، وهي حملة تجددت خلال الشهرين الأخيرين لتطالب بخفض أسعار المحروقات ورحيل رئيس الحكومة تحديدًا
قد لا يبدو صادمًا منحنى التدهور في المؤشر المذكور حين يتم استقراء الأرقام السابقة عن تلك المرحلة
والتي أدلت بها هيئة الأمم المتحدة للنساء والمندوبية السامية للتخطيط في دراسة الآثار الأولى للجائحة سنة 2020 على الأسر واختلافها وفق النوع الاجتماعي، والتي خلصت إلى أن هشاشة وضعية المرأة المغربية في سوق العمل ساهمت في خلق وضع مالي أكثر صعوبة لها، وأن الأسر التي تعيلها نساء عانت أكثر من فقدان الدخل، وأن وضعية النساء في سوق العمل كانت تجعلهن أقل تفاءلًا فيما يتعلق بزيادة نشاطهن الاقتصادي
تعزز الأرقام الرسمية الصادرة فيما بعد هذا الحدس غير المتفائل لدى النساء، حيث أكدت مندوبية التخطيط مؤخرًا أن معدل نشاط الشباب الذكور 35.4%، أي أعلى بثلاث مرات تقريبًا من نظيره لدى الإناث البالغ 12.1%، وذلك لسنة 2021. كما أن بطالة الشباب تتجلى بشكل أكبر بالوسط الحضري وبين النساء الشابات، حيث يبلغ هذا المعدل ذروته بنسبة 46.7% بالوسط الحضري مقابل 15.9% بالوسط القروي ويفوق المعدل لدى الشابات نظيره لدى الرجال ب 13% (41.9% مقابل 28.4%). ورغم التحسن الطفيف الذي أعلنته المندوبية بداية شهر أغسطس/آب في معدلات البطالة خلال الفصل الثاني من سنة 2022 بانتقالها من 12.8% إلى 11.2% على المستوى الوطني فمعدل البطالة يبقى مرتفعا لدى النساء بمعدل 15%
هذا الوضع غير المتكافئ شمل حتى سياسة المساعدات المالية التي قدمتها السلطات للفئات الأكثر تضررًا خلال الجائحة، وكان نصيب النساء أقل في الاستفادة من المساعدات بسبب انخفاض معدلات تسجيلهن لدى صندوق الضمان الاجتماعي، وهذا وضع يمكن تفسيره كذلك بسبب النسبة الكبيرة التي تشكلها النساء في قطاع العمالة غير المنتظمة، وهو فضاء أظهرت الأزمة الصحية نسبته الكبيرة في المغرب، وتأثر العاملين به بالجائحة اقتصاديًا
شهد المغرب ارتفاع نسب العنف ضد النساء أثناء الجائحة، وأطلقت منظمات تعنى بحقوق النساء تحذيرات من تزايد وقائع العنف ضد النساء بسبب التوترات التي بدأت تظهر داخل الأسر نتيجة الأزمة الصحية وخلال الحجر الصحي. أصدر رئيس النيابة العامة في مايو/آيار 2020، خلال فترة الحجر الصحي، تعليمات لمواجهة العنف ضد النساء، وذلك من خلال دورية موجهة للمحاكم دعا فيها إلى تطوير المنصات الرقمية أو الهاتفية لتلقي شكاوى بخصوص العنف ضد النساء، وصرحت جمعيات نسائية بارتفاع معدل الشكاوى التي تبلغ عن تعرض النساء للعنف خلال الحجر الصحي
إضافة للضغوطات وأشكال العنف والتي تصدر العنف النفسي قائمتها، ازداد أثناء فترة الحجر الأعباء المنزلية على النساء ثلاث مرات أكثر وفق ما أدلت به مندوبية التخطيط في تقريرها المشترك مع هيئة الأمم المتحدة للنساء
إن هذه الوضعية العامة للنساء بالمغرب التي لم تزدها الجائحة إلا حدة أظهرت حجم المفارقة بين الإرادة المعبر عنها في الخطاب الرسمي وبين واقع ينم عن ضعف الحماية الاجتماعية للنساء، سواء من خلال قلة ما يوفره سوق العمل من فرص محمية بالقانون لهن، أو عدم كفاية ما تسمح به النظم الاجتماعية والثقافية من ارتقاء لهن على سلم المساهمة في التنمية عمومًا، وهو ما يفسر حدة مطالبة الأوساط النسائية وحتى أوساط رسمية بضرورة الاهتمام أكثر بحماية النساء وضمان حقوقهن ومراجعة النصوص القانونية وتحسينها لتوفير حماية أكثر للنساء والفئات الأكثر ضعفًا
كانت هذه الأصوات حاضرة منذ ما قبل الوباء وزاد من ضروريتها وأهميتها الأوضاع التي كشفت عنها الأزمة الصحية والتي تظهر عدم حصول تقدم حقيقي رغم الترسانة القانونية ودستور 2011، واعتماد مدونة الأسرة منذ سنة 2004 ومصادقة المغرب على الاتفاقية الدولية الخاصة بمكافحة جميع أشكال التميز ضد النساء. فمن بين المنظمات الناشطة في المجتمع المدني والتي كانت سباقة في نشر بحث عن أوضاع النساء خلال الشهور الأولى من الجائحة، قدمت منظمة “امرأة” مقترحات تهم احتياجات النساء خلال فترة الطوارئ الصحية، ووجهتها إلى كل من وزارة الصحة ووزارة الأسرة ووزارة العدل وعدد من المؤسسات العمومية طالبت فيها بضرورة استفادة جميع النساء العاملات، بمن فيهن العمالة غير المنتظمة من تعويضات البطالة والإعانات الاجتماعية، إلى جانب استمرار المحاكم البث في قضايا النفقة طوال فترة الطوارئ وضمان تدابير الإنفاذ، وإعطاء تعليمات للشرطة للانتقال إلى المنازل في حالة العنف المنزلي حتى في حالة عدم وجود أمر من النيابة وغير ذلك من المقترحات التي قدمتها هذه المنظمة ووقعت عليها ست وعشرون جمعية تعنى بأوضاع النساء
إنه وبعد مرور 18 عامًا على العمل بمقتضيات مدونة الأسرة تظهر أهمية مراجعتها لتكون أكثر تماشيًا مع تطور الواقع المجتمعي والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وهذا نقاش بدأت تطرحه حتى أوساط رسمية تبدي أهمية الاهتمام بالنهوض بأوضاع النساء، وقد شكل وضع المرأة شقًا مهمًا في آخر خطاب ملكي بمناسبة عيد العرش نهاية الشهر الماضي، وهو ما ينتظر أن ينعكس في سياسات عمومية
عن الكاتبة
سعيدة الكامل، باحثة في العلوم السياسية من المغرب. حاصلة على ماجستير بالعلاقات الدولية والدبلوماسية من جامعة محمد الخامس بالرباط
Leave a Reply