مها الجويني: ما يفوق الذكاء الإصطناعي

“ما الحياة إلا وقفة عزّ” هو اقتباس شهير باللغة العربية غنته جوليا بطرس، وهو يلهم خيارات حياة مها الجويني. مها رائدة أعمال وكاتبة تونسية كافحت كل الصعاب التي تواجه نساء شمال إفريقيا. هي الأصغر بين سبعة أطفال، ترعرعت على يد أم أوضحت لها المعنى الحقيقي للمعاناة كامرأة في المنطقة العربية، وتحمّل ثقل كل البنى الاجتماعية. دفعتها اهتماماتها المتنوعة إلى أن تعيش حياة امرأة متعددة المهارات لا حدود لطموحاتها ما دامت تعمل جاهدةً لتحقيقها. لم تجعل خلفية مها المتنوعة خياراتها سهلة، ولكن شيئًا لم يقف في طريق نموّها.

بدأت قصة مها عندما كانت تتطوع في أديس أبابا كفتاة أفريقية في مكتب الشباب التطوعي. وعلى الرغم من مشاركتها في عمل يحدث تغييرًا في المجتمع، شعرت بأنها تريد فعل المزيد، وأن تكسر الحدود التي فرضها المجتمع على نشأتها. فتقدمت بطلب إلى جامعة تيانجين للتكنولوجيا والتعليم في الصين كخطوة أولى، حيث حصلت على منحة دراسية لمتابعة دراستها للحصول على شهادة في تخصّص الذكاء الاصطناعي. هذا القرار الجريء، إلى جانب الاتهامات التمييزية التي سمعتها من الأولاد في تيانجين كونها عربية في مجال العلوم، غيّر حياتها.

شعرت مها أن مغادرة تونس للدراسة في الصين في سن 29 عامًا سيكون أمرًا صعبًا، خاصّة أن هذا هو السن الذي يتعين على المرأة فيه في تونس الزواج وتكوين أسرة. تلقت تشجيعًا من رفيقاتها النسويات والناشطات في الحركة النسوية، لكنها شعرت بالإحباط الشديد من قبل أفراد مجتمعها وعائلتها الذين لم يتقبلوا النساء الناجحات ذوات المهارات المتعدّدة، عندها، قررت مها أن تستعين بالكتابة كوسيلة أساسية للتأقلم ولمساعدتها على التخلص من التوتر والإحباط وسط هذا الضغط الهائل. نشرت مؤخرًا كتابًا بعنوان “عاشقة من أفريقيا” باللغة العربية، مثبتةً أن بإمكانها أن تكون رائدة أعمال ومؤلفة وعالمة في آنٍ معًا. تستمد مها دوافعها من النساء الناجحات في العالم العربي، لا سيما النساء اللبنانيات اللواتي أثبتن نهوضهن وسط كل التحديات الاجتماعية والاقتصادية الصعبة.

كل هذه المحن لم تؤثر على قرار مها في السّعي لحياة مثمرة ومهنة ناجحة. فهي لم تفكر أبدًا في الاستقالة لأن عملها هو وسيلتها الوحيدة للبقاء والطريقة الوحيدة لتعيش الحياة التي تريدها كونها من تونس حيث لا يوجد دعم اجتماعي واقتصادي. هي لا تفكر في العمل كهدف نهائي، وتفضّل العمل على مراحل صغيرة من شأنها أن تعود عليها بمردود ماديّ وتأثّر بشكل مباشر على المجتمع. وبعد رحلتها في الصين، انتقلت مها إلى موريتانيا لإطلاق أعمالها التجارية الناشئة في مجال التحول الرقمي. اختارت موريتانيا كوجهة لها كوسيلة لرد الجميل لمنطقتها ومن معرفتها بأن هذا البلد بحاجة إلى الدعم للانتقال إلى العالم الرقمي الذي نعيش فيه حاليًا.

تلقت مها وابلًا من التمييز والنقد والمضايقة. وكانت تتلقى تعليقات سلبية حول كونها إمرأة تعمل في مجال علمي وتدير مشروعًا تجاريًا. عند الوصول إلى طريق مسدود، كان النّاس يعلّقون بشكل سطحي على مظهرها. لم تدع مها أيًا من هذه الأمور تعيق طريقها. ووصفت نفسها بأنها امرأة شجاعة دافعت عن نفسها في أوقات لم تجد فيها من يدعمها. كانت تجاربها الصعبة هي التي دفعتها إلى نصح الفتيات دائمًا بالتحلي بالشجاعة وإظهارها وإن كنّ يفتقرن إليها. كما تأمل أن تكتسب الفتيات الشجاعة ليقلن لا، وليثقن بما يقمن به، وإلّا لن يستطعن تحقيق أيّ شيء. في حياتها المهنية، تعتبر مها أن ما دفعها للوصول إلى ما هي عليه الآن هو قدرتها على المجازفة، وهذا ما جعل مدراء الأعمال يثقون بها ويسلّمونها مسؤولية تطوير أعمالهم. الدافع الآخر الذي قولب حياة مها كان الهيكل الاقتصادي لتونس.

تعتقد مها، كونها نشأت في تونس، وتعيش في موريتانيا، وزارت العديد من البلدان في العالم العربي، أن الحكومات هي العقبة الرّئيسة التي تحد من ازدهار الصّناعات التي تفتح الفرص أمام النّساء. بصفتها رائدة أعمال ناشئة، كافحت مها للعثور على مستثمرين على استعداد لتطوير أعمالها. اعتقادًا منها أن الحكومات ستبحث أكثر في الشركات الناشئة التي تقدم حلولًا إلكترونية، صرّحت مها أن الحكومات والمستثمرين الأثرياء مهتمون فقط بالاستثمار في العقارات بدلاً من رأس المال الذي قد ينمو على مر السنين. كما تناقش أيضًا مسألة وصول بعض النساء للنجاح عبر ديناميكيات السلطة، مما يجعل النساء الأخريات يشعرن بعدم التقدير والدعم.

وهي تقر بحقيقة أن العديد من المنظمات والمؤسسات تدعم اليوم الفتيات في العثور على ذواتهن. ومع ذلك، فإنها تشير إلى أنّ العديد من هذه المنظمات ليس لها أي تأثير وهي محكومة من محيطها الاجتماعي. فمها لا تؤمن بالتأثير الكبير لهذه المراكز لأنها تؤمن أن القوة تأتي من الداخل، ويجب على الفتاة أن تدعم وتجد نفسها بنفسها لأنها لن تحظى دائمًا بدعم الآخرين. لهذا السبب، تحث مها المدارس على السماح للفتيات بحرية اختيار ما يردنه. بالنسبة لها، هي على ثقة من أن الفتيات يعرفن بالفعل ما يردن لأن لديهن اهتمامات شخصية قمن بتكوينها من خلال التواصل الاجتماعي والتعلم.

تشعر مها بالفخر عندما تقترب منها الفتيات الصغيرات ويخبرنها أنهن يرغبن في دراسة العلوم والتكنولوجيا. تجعلها هذه المواقف تدرك أن الفتيات يدركن جيدًا خياراتهن ويمكنهن تحديد مستقبلهن عندما يُسمح لهن بالاستكشاف. مها داعمة كبيرة للمرأة وتعتقد أن دوافعها تأتي من النساء أيضًا، فهي تتصل مباشرة بوالدتها أو شقيقاتها أو صديقاتها عندما تريد التحدث عن أي مجريات جديدة. إنها تريد أن تحصل الفتيات على هذه المساحة الآمنة وأن يجدن السلوان داخل مجموعة اجتماعية من النساء الأخريات اللواتي يرين أنهن قدوة يمكن أن تؤثر على حياتهن بشكل إيجابي وتدعم قراراتهن.

هذه القصة من تأليف تمارا سليمان

Leave a Reply