لينا خليفة: حاربي من أجل ما تريدين

نشأت لينا خليفة في الأردن، حيث لم تكن مشاهد العنف ضد المرأة بغريبة عن مجتمعها وعن عائلتها. ولطالما كان يثير استياءها عدم وجود قوانين تحمي المرأة، وعدم قدرة المرأة على الدفاع عن نفسها. وقد بلغ ذلك حدّه بالنسبة إليها في لحظة واحدة أثناء تواجدها في الجامعة، حيث وصلت إحدى صديقاتها وبها كدماتٌ شديدة على وجهها، بعد أن تعرّضت للإيذاء من قبل والدها وشقيقها. هذا المشهد أغضب لينا كثيرًا، وأرادت أن تفعل شيئًا حيال ذلك. كانت لينا قد راكمت خبرةً في فنون الدفاع عن النفس، فقررت نقل معرفتها وتدريباتها إلى نساء أخريات بهدف أن يصبحن نساءً ممكّناتٍ، وواثقاتٍ من ذواتهنّ، وقادراتٍ على الدفاع عن أنفسهنّ. لقد أرادت أن تنشئ منصةً تستطيع النساء من خلالها تعزيز مهاراتهنّ والتصدي للظلم الذي يتعرضن له.

تلك لم تكن بالمهمة السهلة، إلّا أنّ لينا كانت مصممة على تحقيقها. فبدأت بمشروع شي فايتر (SheFighter) في الطابق السفلي من منزل ذويها في عام 2010. ثمّ افتتحت أول مركزٍ لمشروعها في الأردن عام 2012. ويعتبر مركز شي فايتر أول مركز يُعنى بجميع تقنيات الدفاع عن النفس الخاصة بالمرأة، وهو مصممٌ لتمكين النساء من الناحية العقلية والفيزيولوجية، وذلك من خلال تعليمهن تقنيات الدفاع عن النفس، التي بدورها تمنحهن الشعور بمزيد من الثقة والأمان والقوة من أجل الدفاع عن أنفسهن في حال التعرض إلى مواقف يسودها العنف. وقد استطاع هذا المركز تقديم المساعدة إلى أكثر من 25000 إمرأة حول العالم من خلال ما يقدمه من ندوات ومحاضرات وتدريباتٍ للمدربين، وقد منح شهاداتٍ لأكثر من 700 مدربٍ في 35 دولة بينها الأردن وفلسطين ولبنان وألمانيا وكوريا الجنوبية والبرتغال والولايات المتحدة الأمريكية. وبعد ظهور جائحة كورونا، أصبح المركز يمنح الشهادات للمدرّبين عبر الانترنت كوسيلةٍ لتسهيل هذه العملية، وبغية الوصول إلى ما هو أبعد من ذلك.

تمتلك لينا خبرة تزيد عن سبعة عشر عامًا في فنون الدفاع عن النفس، وعلى وجه الخصوص فنون التايكوندو والكيك بوكسينغ والكونغ فو والملاكمة. وقد مُنحت جائزة ESPN (إي إس بي إن ) الإنسانية لعام 2019 المقدمة من مؤسسة ESPN و مؤسسة الفنون القتالية المختلطة (UFC)، واستلمت من هيلاري كلينتون جائزة التمكين الاقتصادي لعام 2018. كما فازت بجائزة أفضل رائدة أعمال لعام 2016 عبر المنتدى الاقتصادي للمرأة الذي انعقد آنذاك في دبي، وأشاد بها رئيس الولايات المتحدة السابق باراك أوباما خلال خطابه في عام 2015 في البيت الأبيض.

وقد واجهت لينا العديد من التحديات حتى تمكنت من الارتقاء بمركز شي فايتر إلى المستوى الذي هو عليه اليوم. في البداية، سخر الناس منها، واعتبروا أنها في عداد الحالمين، وقالوا لها أنّه من المُحال تحقيق هذا الحلم، إلا أنّ لينا أيقنت أنّ عليها النهوض وأخذ زمام المبادرة. وبعد انطلاقة مشروع شي فايتر، كان على لينا أن تغوص في شباك العديد من الدعاوى القضائية التي رُفعت ضدّها على خلفية تعليم النساء أساليب الدفاع عن أنفسهن، وعلى وجه الخصوص قضايا العنف المنزلي. وتقول لينا في هذا الصدد :”عملتُ لبضع سنواتٍ على تدريب إحدى السيدات التي كانت على خلافٍ مع زوجها، فقامت بالدفاع عن نفسها ضدّه، فعمد الزوج إلى رفع دعوى قضائية ضدّنا على خلفية تعليمها ذلك”.

قد كان من المرهق جدًّا التعامل مع كل ذلك بحسب ما تذكر لينا، وتضيف قائلة: “إن وجود نساء ممكنات يشكل تهديدًا حقيقيًا للرجال، بل يرعبهم أيضًا. وفي مجتمعنا، ينشأ الرجال على الاعتقاد بأنهم أكثر تميزًا من النساء لمجرد أنهم ولدوا ذكورًا. غير أنّ هذا الكلام عارٍ عن الصّحّة، فإذا أردت أن تعرف ما إذا كان الرّجل صالحًا، لا تنظر إليه كيف يبدو لك، بل انظر إلى الطريقة التي يعامل بها زوجته وبناته.”

وتعتقد لينا أنّ المرء يجب أن يتعلّم كيف يمضي قدمًا حين تعترض العقبات طريقه. وتقول في هذا السياق: “ماذا تفعل لو رمى أحدهم حجرًا في طريقك؟ لا بدّ لك من إزالة هذا الحجر، فإن كان ثقيلًا،عليك بتجاوزه، أما إن كان كبيرًا، فعليك بالالتفاف من حوله. يجب أن تجد سبيلًا للمضي قدمًا، بهذه الطريقة أنا أنظر إلى التحديات.” وتضيف لينا أنّ رحلة النّجاح ليست مستقيمة، فلا يمكن للمرء أن يكون في حالة صعودٍ على الدوام. إنما هي دورة صعودٍ وسقوط يعيشها المرء لينهض ويصعد مجددًا، ومن ثم يسقط من جديد، وهكذا.”

وتنصح لينا الفتيات والشابات بأن لا يكتفين بالعمل الدؤوب، بل أن يقمن بالأمور التي تثير الشغف في نفوسهنّ. وهي تشجع النساء تحديدًا على أن يبنين لأنفسهن شيئًا مستدامًا وطويل الأجل، وأن يصبحن سيدات أعمالٍ لو أمكن ذلك. وهي من أكثر الداعمين لريادة الأعمال لأنها تعود بالفائدة على المؤسسين لها، وتخلق فرص عملٍ لأشخاص آخرين كذلك الأمر. كما تنوّه لينا بالثقة، معتبرةً إياها القوة الأولى الدافعة نحو النجاح، سواءً أكانت هذه الثقة بالله، أو بالآخرين، أو بالحياة، أو بالذات. وهي تؤمن أنّه من ضروريات النجاح أن يظهر الإنسان للعلن، ويشارك في المؤتمرات، والندوات، ويلقي كلماتٍ في المدارس، ويشارك في المناسبات، كي يتسنّى للناس معرفة من هو هذا الإنسان.

وتوصي لينا بأن تقوم الحكومات بتأسيس شراكات مع المنشآت المحلية وتعمل على دعمها، لا سيما الشركات المحلية الصغيرة التي تقودها النساء. كما تدعو إلى تقديم منح حكومية للسيدات في الأعمال التجارية حيثما كان ذلك ممكنًا، تمامًا مثل ما تفعل بعض البلدان حول العالم. وتعتقد أنّ الحكومات يجب أن تكون أكثر مرونةً في تطبيق السياسات المتعلقة بالأعمال التي تقودها النساء من باب تشجيع النساء على إطلاق الأعمال، مهما كانت صغيرة، وهذا يرتبط بشكلٍ خاص بالأعمال التي يتم تأسيسها من المنزل.

كما تدعو لينا المدارس ووسائل الإعلام إلى تقديم المعرفة والتوعية لا للفتيات فحسب، بل للفتيان أيضًا، كي يتعلموا منذ الصغر أن الفتيان والفتيات يملكون القدرات نفسها، ولا أفضلية لأي منهما على الآخر، وبالتالي، يجب أن يعاملوا بعضهم بالمثل. وهي تعتقد أن هذه الطريقة هي كفيلة بالقضاء على الصورة النمطية التي تعكس تفوق الرجال على النساء من ناحية الذكاء أو القوة. وتؤكد على ذلك بالقول: “الفتيات يتمتعن بالقوة نفسها، وهنّ بحاجةٍ إلى تلقّي المستوى نفسه من التعليم والاستثمار الذي يتم ضخه في الفتيان في جميع المجالات، كما أنهنّ بحاجةٍ إلى التشجيع على متابعة هذه المجالات بدلاً من زرع الخوف في نفوسهنّ من متابعة الرحلة. الفتيات قادراتٌ على تحقيق المستوى نفسه من النجاح كما الفتيان، ولا يحتجن سوى التزويد بالأدوات المناسبة من أجل تحقيق ذلك “.

هذه القصة من تأليف غادة القواص

Leave a Reply