Site icon The Asfari Institute for Civil Society and Citizenship

دوريس سابا: إبدء التّصوير

بالرّغم من كتابتها لقصص خلال فترة دراستها، لم تكن دوريس قد خطّطت للدّخول لعالم صناعة الأفلام عندما بدأت دراستها الجامعيّة في اختصاص فنون الإعلام. ولكن، عندما اكتسب عملها طابعًا عمليًا وتعمّقت أكثر في عالم السينما، اكتشفت شغفها لهذا المجال. منذ ذلك الوقت، أصبحت دوريس عضوًا فاعلًا في المجتمع السنيمائي، وذلك من خلال عملها على أكثر من أربعين فيلمًا قصيرًا، وقد حصد العديد منها الجوائز وتمّ عرضها في المهرجانات السينمائية الوطنية والدولية. بالإضافة إلى ذلك، شاركت في كتابة وأنتجت ثلاثة أفلام روائية، منها الدّراما الاجتماعية اللّبنانيّة “الولادة القيصريّة” الذّي قُدّم لجوائز غولدن غلوب 2021، والفيلم الرّوائي الصّيني-اللّبناني “ميدو” الّذي أخرجه المخرج الحائز على العديد من الجوائز جوان تشي. وتؤكّد دوريس أنّ التّوجيه والدّعم من أستاذها، الأستاذ سام لحّود، كان له تأثير ايجابيّ وملحوظ على حياتها المهنيّة.

في بداية مسيرتها، حصلت على الكثير من التّشجيع لأنّ محيطها كان يرى عالم صناعة الأفلام رائعًا ومرحًا، ولكن هذه النّظرة تغيّرت لأنّ مهنتها لا تؤمّن لها مركزًا أو مدخولًا ثابتًا، بل تعتمد على المشاريع الّتي تتطلّب العمل الحرّ. ولكي تقوم بهذا العمل، احتاجت لأن تكوّن شبكة من العلاقات. وبناء هذه العلاقات مع العاملين في مجال صناعة الأفلام يعدّ مهمًا خاصّة في حقل عملها الفرعيّ، انتاج الأفلام، حيث يتوجّب عليها تأمين التّمويل، الخدمات، المعدّات، أماكن التّصوير، تراخيص التّصوير، والممثّلين، كما أنّها المسؤولة عن إدارة فريق العمل وتقسيم الأدوار والمسؤوليّات. لكن، لكي تستطيع أن تكوّن علاقات، احتاجت لأن تعمل من دون أجر، الأمر الذّي كان مرهقًا ماديًّا وجعل أهلها يطلبون منها البحث عن عمل يؤمّن مردودًا ماديًا ثابتًا. اختارت دوريس أن تصرّ على خياراها وهي تؤمن أنّ عدم الحصول على أجر ثابت كان في مصلحتها، خاصّةً في ظلّ عدم استقرار الاقتصاد اللبناني.

لدى دوريس خبرة مباشرة بكيفيّة معاملة النّساء في هذا الحقل كونها سيّدة ناجحة في مجال الأفلام. “بعض الرّجال يدعونك لإجراء مقابلة، ولكنهم يقترحون إجراءها في مكاتبهم. هذا التصرّف غير مريح إطلاقًا، خاصّةً عندما يكون هؤلاء الرّجال في مراكز نافذة في المجال”. لكنّ دوريس تقول أنّه من المهم إبراز صورة امرأة قويّة وذات نفوذ، “عليكِ أن تجبيريهم على احترامك. هذه ليست بمهنةٍ سهلة؛ يمكنها أن تكون بيئة خطرة وسامّة”. تؤمن دوريس أنّ هذه التّجارب عزّزت ثقتها بنفسها وبقدراتها، وجعلتها أقوى عاطفيًّا، و أكثر تركيزا على أهدافها.

خلال مسيرتها في هذا المجال، رأت دوريس كيف يتمّ تأطير المرأة في أنماط بدون عمق أو حبكة، وكيف أنّ الإعلام الموجّه للفتيات الشّابّات يقدّمهنّ كأميراتٍ يعانين وبحاجةٍ لأميرٍ لينقذهن. هي تعمل جاهدةً على تغيير هذه النّظرة عبر تسليطها الضّوء على مواضيع مثل تمكين المرأة، الأطفال، النّازحين، والسّلام. لديها شغف حول الصّناعة المسؤولة للأفلام، وتقدّم فقرةً سينمائيّةً على قناة الجديد، وهي قناة تليفزيونيّة لبنانيّة، وتستخدم هذا المنبر لتروّج للصّناعة المسؤولة للأفلام. هي أيضًا مديرة مشروع المجتمع السينمائي في بيروت حيث تنشئ وتدعم مشاريعًا ومبادرات تهدف إلى نشر الوعي حول حقوق الأطفال، النّازحين، الفتيات، والنّساء، بالإضافة إلى تمكين النّساء والشّباب\الشّابّات في لبنان من خلال الأفلام والفنّ.

أنشأت دوريس وقادت أيضًا مبادرتين تروّجان لحقوق الإنسان. الأولى، فتيات لصناعة التّغيير، هي مبادرة تدريبية لبناء القدرات وتهدف إلى تمكين الفتيات المراهقات والنّازحات في مناطق معرّضة للخطر من خلال الأفلام والفنّ عبر تزويدهم بالوسائل الّتي يحتاجونها للتّعبير عن أنفسهنّ وصناعة التّغيير في محيطهنّ. المبادرة الثّانية، بيروت طفلي، وهي مبادرة تدريبية لبناء القدرات وتستهدف بشكل خاصّ الأطفال الذّين تضرّروا جرّاء انفجار مرفأ بيروت 2020، عبر تعليمهم تقنيّات الصّور المتحرّكة لكي يستطيعوا مشاركة أحلامهم للمستقبل.

دوريس أيضّا مؤسّسة مشاركة والمخرجة الفنيّة لأكاديميّة المخيّم الصّيفي والمهرجان السينمائي “السينما من أجل السّلام”، ومنسّقة مهرجان بيروت السينمائي الدّولي للنّساء، ومهرجان بيروت السينمائي الدّولي للأطفال والعائلات، ومهرجان الغولدن غرينايد الأرمنيّ السينمائي في بيروت، ومنسّقة مشروع في مهرجان “بيروت شورتس” السينمائي الدّولي. كما وسّعت نطاق عملها لخارج لبنان، حيث تؤدّي دور منسّقة مشروع في المهرجان السينمائي اللّبناني في كندا.

تشجّع دوريس النّساء والفتيات الشّابّات على متابعة شغفهن، “افعلْنَ ما تُحببن لأنّ هذه مهنتكنّ. إذا كنتنّ تعملن في مهنة لا ترغبنها، سوف تفوّتن فرصة اللّحاق بالأمور الّتي لديكن شغف نحوها. إذا اخترتنّ مهنة صعبة، عليكنّ أن تكنّ على قدر التّحدّي، خاصة إذا واجهكنّ تثبيط أو نقد. أروهم أنّ هذا خياركنّ الذّي ستخرجن لتحقيقه”.

وسّعت دوريس نطاق عملها ليشمل بناء السّلام، بحيث تؤمن أنّ المرأة بإمكانها تأدية دور بارز في إدارة الأزمات، والوقاية منها، والوساطة بين مختلف الأطراف،أي البلدان والأفراد. تمّ ترشيح دوريس لتصبح عضوًا في شبكة الشباب ROMENA التابعة لمفوضية حقوق الإنسان (مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان التابع للمفوضية السامية – المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا). تمّ ترشيحها أيضًا لتصبح سفيرة سلام للشّباب مع ICESCO (منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلم والثقافة) لتمثّل لبنان، وأطلقت برنامج قيادي تدريبيّ في مجال السّلام والأمن من خلال مشروعها المبتكر ’السينما من أجل السّلام‘، وهي فكرة ابتكرتها خلال دراستها العليا في  تخصّص الرّيادة في الإعلام. يهدف المشروع لتعزيز دور السينما كأداة عصريّة لبناء السّلام وحلّ النّزاعات عبر تزويد الشّباب بالمهارات اللّازمة ليصبحوا مروّجين لعالم سينما جديد أساسه الحوار بين الثقافات.

تعمل دوريس حاليًّا على مشروع ’فيلم فريندلي‘، وهو يهدف إلى تحويل المدن والقرى اللّبنانيّة، تحديدًا تلك النّائية والمعرّضة للخطر، إلى مجتمعات ترحّب بالأعمال السينمائية. تمّ اختيار هذا المشروع من ضمن أكثر من 550 طلبًا من 93 بلدًا ليشارك في مسابقة الأمم المتحدة عبر الإنترنت (75UN ) مع “أصدقاء أهداف التنمية المستدامة” وكانت دوريس ممثلة لبنان الوحيدة في منتدى سانت بطرسبرغ   الاقتصادي الدولي 2021 في روسيا كعضو في ’أصدقاء للقيادة‘ لتقدّم المشروع.  الهدف منه هو إنشاء سوق الكترونية مزوّدة بمعلومات وتفصيلات دقيقة عن الأماكن، المواهب المحليّة، والخدمات الصناعيّة بهدف تشجيع المجتمع الدّولي لتصوير الأفلام في لبنان.

وهي تؤمن أنّ السّياحة الناتجة عن صناعة الأفلام باستطاعتها توليد نموّ اقتصادي وفرص للبلد، خاصّة في هذه المجتمعات. “لدينا مواهب محليّة واعدة جدّا وأماكن تصوير جميلة، ولكنّنا نفتقر لقطاع صناعة أفلام جيّد، ولجهات تنظمه، بالإضافة إلى نقص في الدّعم”. كما تؤمن أنّه من المهمّ للغاية الاستثمار في هذا القطاع وخلق مبادرات واستراتيجيّات لتطويره.

هذه القصة من تأليف غادة القواص

Exit mobile version