الدّكتورة مي الابراشي: ربط التراث بالمجتمع

تعيش الدّكتورة الابراشي الإبراشي في بلدان غنية بالتراث الثقافي، مثل مصر والهند، وقد كبرت لتنمية ارتباطها بالتاريخ. فهي ليست مفتونة بالتاريخ فحسب، بل إنها أيضًا مفتونة بالطرق التي نتفاعل معها. في الواقع، أكثر ما يروق لها هو كيفية ترتكز حياتنا اليومية إلى حد كبير على التاريخ وكيف أن ما نقوم به هو في الواقع صنع التاريخ. وجّه حبها للتاريخ مسيرتها المهنية نحو الحفاظ على التراث التاريخي. ففي عامها الأول كطالبة هندسة، لم تكن متأكدة تمامًا من أن هذا ما تريد القيام به. ومع ذلك، فقد اكتشفت مهنتها المختارة بعد التدريب في مشاريع الصيانة المختلفة في القاهرة.

تنحدر الدّكتورة الابراشي من عائلة لا تزال حياتها المهنية بعيدة كل البعد عن مجالها، بحيث تتركز في العلوم الإنسانية. كان والدها صحفيًا ودبلوماسيًا، وكانت والدتها مترجمة تعمل في القطاع الحكومي، وأختها تُدرِّس الأدب الإنجليزي. كبرت، وقررت الاتجاه إلى الهندسة المعمارية لأنها كانت مهتمة بالفنون. بينما كانت أسرتها تدعم قرارها بممارسة هذه المهنة، فقد استغرق الأمر بعض الوقت لفهم العلاقة بين دراسة الهندسة المعمارية والاتجاه إلى المحافظة. كما أنهم لا يفهمون سبب اختيارها لإدارة أعمالها الخاصة والمضي في متاعب القلق إثر القيام بذلك بدلاً من تولي وظيفة في الأوساط الأكاديمية والحصول على المكانة التي تأتي معها.

كما تدير الدّكتورة الابراشي توأمة بين منظمة غير حكومية وشركة معمارية تدعى” Megawra-Built Environment Collective” (BEC) والتي بدأت كمساحة عمل مشتركة وثقافية في عام 2011. كان الاهتمام الرئيس هو التحقيق في البيئة المبنية بطريقة تربطها التخصصات الأخرى مثل العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية والفنون، فضلاً عن مساحة إبداعية للعمل. تطور هذا العمل ليصبح أكثر عمليّة. ويُطلق على أكبر مشروع لشركة Megawra-BEC مبادرة ” Athar Lina Initiative “، والتي تترجم إلى “التراث لنا”. وهي مبادرة تشاركية للمحافظة تهدف إلى إنشاء طرائق لمشاركة المواطنين في الحفاظ على التراث بناءً على النظر إلى النصب كمورد وليس كعبء. أما الفكرة، فهي ربط التراث بالمجتمع من خلال المنفعة المتبادلة. وتبقى الفرضية هي أن الناس سوف يعتنون بتراثهم وسيستفيدون منه. 

تعمل Megawra-BEC على الحفاظ على الهندسة المعمارية وإعادة الاستخدام التكيفي للمباني التاريخية لصالح المجتمع. كما أنها تعمل على المستوى الحضري من خلال دراسة الأحياء وإجراء تقييمات للاحتياجات. بناءً على النتائج، تحدد Megawra-BEC الحلول ليس فقط لإدارة المنطقة والحفاظ على التراث، ولكن أيضًا لمشاكل محددة تضر بالتراث والناس على حد سواء. تعمل Megawra-BEC أيضًا على تعليم التراث، خاصة مع الأطفال والنساء. كما تعمل على إحياء الصناعات التراثية، مثل أي نوع من الأنشطة التي تولّد الدخل على أساس التراث مثل السياحة والحرف اليدوية. منذ عام 2012، قامت Megawra-BEC بالحفاظ على خمسة مبانٍ بالإضافة إلى إعداد خطط صيانة وإدارة لحيين. كما تعمل Megawra-BEC أيضًا على إعادة تأهيل المساحات المفتوحة لصالح المجتمع. بحيث يعد إنتاج المعرفة مكونًا أساسيًا لأن الكثير مما يتم تعلمه وما يتم فعله يتحول إلى نوع من المخرجات التعليمية أو البحثية.

يأتي العمل في مثل هذه المهنة المتعددة الأوجه مع العديد من التحديات. نظرًا لأنه تشاركي للغاية ويتمحور حول الناس، فهو يتطلب العمل والتعامل مع الأشخاص طوال الوقت. كما يتضمن أيضًا التعرف على مختلف التخصصات ومجالات العمل، بدءًا من التاريخ، وعلم الآثار، والرياضيات، والكيمياء، إلى إدارة الأعمال التجارية ومواقع البناء. كما عبّرت الدّكتورة مي عن أنّ إدارة شركة خاصة في بلد مثل مصر وهو أمر غير مؤكد تمامًا، ويجعل التخطيط للمستقبل صعبًا. هناك أيضًا تحديات أخرى تتعلق بالتمويل بالإضافة إلى القضايا السياسية والقانونية، مع الأخذ في الاعتبار أن Megawra-BEC عبارة عن بناء هجين بين منظمة غير حكومية وبين شركة معمارية.

تعتقد الدّكتورة الابراشي أنه على الرغم من وجود الكثير من الحواجز أمام المرأة في مصر، إلا أنها ليست هيكلية. فبشكل عام، ترتبط تحديات المرأة أكثر بالجانب العملي للمحافظة والتعامل مع الحكومة. بينما تهيمن الإناث على علم الآثار وتاريخ الفن، ويهيمن الذكور على البناء والصيانة. إنها تعتقد أن هذا المزيج يعمل بهذه الطريقة لأنه يوازن الأشياء قليلاً. ومن المثير للدهشة، أنه على الرغم من أن المجال يهيمن عليه الذكور، فعندما تعمل في الموقع، تجد الابراشي أنه من الأسهل أحيانًا على النساء التعامل مع طاقم البناء أكثر من الرجال، لأن له ديناميكية مختلفة. وهي تعتقد أن هذا النوع من العمل سهل ممتنع مثل أي مكان آخر. كونها امرأة عملت في بعض النواحي التي لم ينجح فيها الآخرون.

على الرغم من كل هذه التحديات، تستمتع الدّكتورة الابراشي بحياتها المهنية لأنها ليست مملة أبدًا ويرجع الفضل في ذلك لكونها ذات عقلية ذات مسار واحد ما جعلها تتمسك بهذا المسار الوظيفي وتزدهر فيه. لم تكن خائفة أبدًا من الخلاف، مما جعلها تتحدى الناس حتى لو شعرت بعدم الاحترام تجاهها. جعلتها هذه التحديات أكثر صلابة وعلّمتها كيف تكون صاحبة بطشٍ عندما تريد ذلك. لقد تعلمت أنه في بعض الأحيان تكون القسوة المفرطة على المرأة أمرًا غير مقبول، ولكن باستطاعة المرأة الابتعاد عن ذلك أيضًا. للتعامل مع القيود، كان عليها معرفة الديناميكية الصحيحة لتحقيق أقصى استفادة منها.

وإذا كان على الدّكتورة الابراشي تقديم نصيحة واحدة لجميع الشابات والفتيات، فستكون أن يفهمن أنفسهن كأفراد. وهي تعتقد أنه من السهل جدًا على الأطفال الصغار أن يتأثروا خصوصًا بالمجتمع، ولهذا السبب تشجعهم على ألا يخافوا من أن يكونوا مختلفين بعض الشيء إذا كان ذلك يعني أنهم يتخذون خياراتهم الفردية. وهي تعتقد أيضًا أن التعليم أساسي جدًا، ولا يجب أن يكون من خلال المؤسسات الرسمية بالضرورة. فالرغبة في بالتعلم والنمو أمر مهم للغاية، والأهم من ذلك هو عدم فقدان هذا النوع من الفضول.

أدركت الدّكتورة الابراشي من خلال عملها في الأحياء التاريخية و “المهمشة” في مصر أن ما يُرى للوهلة الأولى يميل إلى أن يكون ضعفًا للمرأة. لكنها تعتقد أنه إذا تعمق المرء، سيجد قوة جوهرية لا تصدق يجب استكشافها وتمحيصها والاحتفاء بها. في حين أن هناك الكثير الذي يتعين القيام به من أجل تحسين حالة المرأة في مجتمعاتنا، تعتقد الدّكتورة الابراشي أنه لا ينبغي لنا الاحتفال بهذه القوة الأساس فحسب، بل يجب علينا فهمها. إنها تعتقد أنه في كثير من الحالات يحاول الناس التعامل مع هذه القضايا كما لو كانوا يدخلون في فراغ، كما لو أن هؤلاء النساء ليس لديهن حقوق، وليس لديهن رأي، ولا صوت لهن، إلا أننا سنعيد لهنّ كل ذلك.

تعتقد الدّكتورة الابراشي أنه يجب على المرء أن يبحث عن المرونة والقوة والفرح من أجل الارتكاز عليها لأنك تتعامل حينها مع هذه المشاكل من موقع احترام. أما بخلاف ذلك، ينتهي بك الأمر إلى تجسيد النساء من خلال محاولة مساعدتهن، وهذا النوع من التجسيد الذي يأتي من النوايا الحسنة يجعل المشكلة مستوطنة وتصبح حاجزًا هيكليًا. تعتقد الدّكتورة الابراشي أنه يجب أن نكون أكثر وعياً واحتراماً للمجتمعات والقطاعات التي نعمل معها.

هذه القصة من تأليف كارلا عقيل

Leave a Reply