قضت إريكا طفولتها وهي تلعب بمحاكيات الطيران مع إخوانها الأصغر سنًّا وهي تتطلّع إلى عمّها كابتن الطيران.ولكن لم يتبادر إلى ذهنها قط أنّها قد تصبح كابتن طيران عندما تكبر. انتهى بها المطاف في دراسة طب الأسنان وهو اختصاصٌ تحبه كثيرًا. بعد ذلك، وخلال دراستها في السنة الخامسة والأخيرة في كلية طب الأسنان، أرسل لها والدها على حين غِرّة منشورًا لشركة طيران الشرق الأوسط (MEA) يتضمّن إعلان توظيف للإنضمام إلى فريقهم. بالطبّع، انتهزت إريكا هذه الفرصة وقدّمت طلبًا للشّروع بالتّدريب.
فوجئت العائلة قليلًا بانها جَهِدت في مزاولة مهنة كابتن الطيران، ظنًّا منهم بأنّ الأخيرة كانت مجرّد اهتمامٍ جذبها في الصّغر. ولكن عندما أدركوا مدى جدّيتها بذلك، قدّموا لها الدّعم والتشجيع لتسجّل في دورة التدريب لكابتن الطيران، إلّا أنّ هذا الجو الإيجابي لم يكن حال الجميع. كان على إريكا البدء بالفحص الذي تبلغ مدته ثمانية شهور وهي تتابع دراسة السنة الأخيرة في طب الأسنان ولكنها لم تحظَ بالمرونة من كلا الجهتين. ولطالما تناهى إلى مسامعها أنّ هذه المهنة ليست للنساء خصوصًا إذا أرادت أن تؤسّس أسرة وأن تكون متواجدة لعناية الأطفال كما يتطلّب المجتمع. ما أعاق مسارها أيضًا هو أنّ شركة (MEA) لم تقم بتوظيف إمرأة في مركز كابتن طيران غير كابتن رولا حطيط وذلك منذ خمسةٍ وعشرين عامًا. لذلك، كان الكثير من الأشخاص المحيطين بها مترددين إزاء هذه الخطوة وقالوا لها إن هذا الأمر شبه مستحيل والظّروف مجتمعةٌ ضدَّها.ولكنها لم تأبه بتلك الأقاويل وصبّت جلّ تركيزها في إتمام التدريب بنجاح ولم تشك أبدًا بقدرتها في الوصول إلى هدفها المنشود.
كان الفحص قاسيًّا، بحيث تضمّن امتحانات وانتقاءات شملت ثلاثة مجموعات واستمرّت ثماني ساعات في مجالات الرّياضيات والفيزياء واختبارات الذكاء فضلًا عن المقابلات التي يجريها أستاذة من لبنان وإسبانيا وتمارين الطيران النظرية، والافتراضية، والعمليّة، تليها مقابلة مع طاقم كابتن الطيران الحالي في شركة طيران الشرق الأوسط ؤ بالإضافة إلى فحص بدني مجهِد. كما أنّ المرحلة الأخيرة من التدريب بدأت بعد تخرّج إريكا من كلية طب الأسنان بأربعة أيام فقط. وتمّت هذه المرحلة في إسبانيا خلال أربعة أيام بعد تخرجها بحيث تضمّنت سنةً وشهرين من تدريب الطّيران المركّز والمكثّف. عندما أنهت كلّ ذلك، كان عليها أن تكمل ثمانية شهور من التدريب الافتراضي والبدني اللذين يعتمدان على نوع الطائرة الذي تستخدمه شركة الطيران. كان عليها أيضًا أن تخضع لامتحان كل ستة أشهر للتّأكد من أنّ مهاراتها لم تتراجع بأي شكل من الأشكال.
أن تكون إمرأة في مركز كابتن طيران كالطريق الوعرة. وفي هذا الصدد، تستحضر إريكا موقفًا حصل معها في أول رحلةٍ لها عندما استنكرت إحدى المسافرات إقلاع الطائرة حين علمت أن امرأةً تقودها. “كنت متوتّرة للغاية خصوصًا أنها كانت المرّة الأولى التي أقود فيها طائرة بهذا الحجم ولكن كان عليّ التحلي برباطة الجأش. حدث وتكرّر الأمر، لكنّني تعلّمت ألّا أبالي.” يعبّر بعض المسافرين بوضوح عن ذهولهم في حال كانت امرأة قادرة على الهبوط بيُسر. غير أنّ لهذه التّحديات وقعٌ إيجابي على إريكا. فلم تزدها إلّا إصرارًا وعزيمة لكي تثبت أنهم على خطأ، كما ساهمت في دعمها لتصبح كابتن أفضل. “أريد أن أُريهم أنّ النساء قادرات. باستطاعة أيّ شخص القيام بأي شيء إذا أراد ذلك بمعزلٍ عن الجنس.” عقليتها الإيجابية والبيئة الداعمة المؤلفة من الأسرة والأصدقاء والزملاء لها الفضل في ما هي عليه الآن فقد منحتها قوة الإصرار.
لعلّ نجاح إريكا ألهم المتقدّمات من النساء لينجحن هنّ أيضًا في أن يصبحن كابتن طيران. تتبوّء الآن ستة نساء أو أكثر مركز كابتن طيران في شركة (MEA). “أنا الأكثر خبرة بين الشابات اليافعات اللواتي يشغلن مركز كابتن طيران في شركة (MEA). ولهذا السبب، يلجأ إليّ البعض بحال احتاجوا للمساعدة وأنا دومًا على أتم الاستعداد لتقديم العون. فمجتمعنا شديد التماسك.”
تعتقد إريكا أنه يجب أن يكون هناك محفزات لتوظيف النساء في مراكز إدارية عليا خصوصًا أن النساء كفوءات على حدٍّ سواء. كما أنها تحث الشركات على اعتماد سياسة التعامل ذاتها مع النساء والرجال في مرحلة التوظيف،” لا يجب اعتبار المرأة المتقدّمة للوظيفة عبئًا أو عائقًا لمجرّد أنّها قد تصبح حامل.” وهذا الأمر يشمل مجال الطيران حيث لا تستطيع المرأة تشغل مركز كابتن طيران أن تزاول مهنتها أثناء الحمل، وبينما توفر بعض شركات الطيران لهؤلاء النساء وظائف ميدانيّة أثناء الحمل، فهذا ليس هو الحال في جميع أنحاء العالم مما يعرض هؤلاء الطيارات لخطر البطالة خلال فترة صعبة أساسًا.ف حوالى 6% من الطيارات حول العالم هنّ نساء. لذا، فمن الأهمية بمكان تشجيع نساء أخريات للانضمام لهذا الميدان ودعم النساء اللواتي يشتغلن فيه أساسًا.
كما تنصح الشابات والفتيات بعدم الخنوع للسّلبية التي يواجهنها خصوصًا عندما يملي عليهم الناس أدوارًا جندرية “عليهنّ بالإيمان بأنفسهنّ، فباستطاعتهن الوصول لأهدافهن إذا سعين من أجلها ولم يكترثن لأقواويل الناس الذين يثبطون من عزيمتهن.فالثقة بالنفس هي المفتاح.”
أكملت إيريكا أيضًا دبلومًا في طب الأسنان التجميلي في جامعة القديس يوسف. وهي لا تزال تعمل كقبطان الطائرة في شركة طيران الشرق الأوسط وهي تمارس طب الأسنان في عيادتها كعمل ثانٍ كلما سنح الوقت.
هذه القصة من تأليف غادة القواص
Leave a Reply