تالا خريس: تغذية غَرائِس الغد

بالنّسبة لتالا خريس، أن تمتلك أحلامًا يعني أن لا تبقى في مكانٍ واحد. هي إختصاصية  بيئيّة زراعيّة استشعرت الحاجة إلى تمكين النّساء الأردنيّات في المناطق الرّيفيّة والزّراعيّة، وإلى مساعدتهنّ في خلق فرصهنّ الخاصّة. وهي تعتقد أن النّساء يستحققن فرصةً لإثبات جدارتهنّ في العمل بصرف النّظر عن المكان الّذي ينتمين إليه أو عن الظّروف الّتي وُلدن فيها. وإلى جانب الزراعة وحماية البيئة، تمتلك تالا شغفًا بإدارة المشاريع، الأمر الّذي ساعدها على رؤية ما وراء المشاكل من أجل التّوصّل إلى حلولٍ لها.

كما تعتقد تالا أنّها محظوظةٌ كونها نشأت ضمن أسرةٍ غذّت أفكارها وقراراتها. هذه الأسرة كانت تؤمن بالمساواة في الحقوق بين الصّبية والبنات، وأنّ لا أحدًا أقلّ شأنًا من غيره. وهي تقرّ أنّ الجيل الأكبر سنًا لديه فكرٌ مختلفٌ حول دور المرأة وما ينبغي عليها القيام به، إلّا أنّ والديها ليسا كذلك. وحين قرّرت تالا الخوض في ميدان تمكين النّساء، حظيت بدعم أسرتها ومحيطها إذ إنّهم كانوا على درايةٍ بالمشاكل البطريركية المتجذرة الّتي تصنّف النّساء كأمّهاتٍ وربّات بيوت، لا كزميلات كفوءات في مجال العمل على حدٍّ سواء.

 حصلت تالا على شهادتي البكالوريوس والدراسات العليا من جامعة ماكجيل في كنداالّتي تُعتبر إحدى أفضل الجامعات في جميع أنحاء العالم. وعلى الرغم من المسار الذي اختارته، فقد شعرت أن أقرانها كانوا أكثر حظًا منها عند تخرّجهم. بعد أن تخرّجت تالا، كان عليها العودة إلى الأردن للعثور على وظيفة وبدء حياتها المهنية، فتبيّن لها أن الحكومة قد نصحت أقرانها في كندا بالذهاب إلى مجالات أو شركات محددة بعد التخرج بناءً على مؤهلاتهم ومهاراتهم. وعندما عادت إلى الأردن، وجدت صعوبة في العثور على وظيفة لها، خاصةً أنها لم تتلقَّ سوى القليل من الإرشادات أو لم تحصل على أيّة إرشادات حول ما يناسبها في بيئات العمل القائمة.

وتشير تالا، من خلال عملها مع مختلف المرافق الحكوميّة وغير الحكوميّة، إلى أنّ معدلات البطالة في الأردن مرتفعة حاليًا وأن عدد النّساء العاطلات عن العمل مرتفع أيضًا. كما تعتقد أنّه لا بدّ من وجود جهة حكوميّة في الأردن تقوم بتفحّص مهارات النّساء وتقييمها بهدف تمكينهنّ من إيجاد الوظيفة المناسبة. بالإضافة إلى ذلك، تدرك تالا أنّ مشكلة التنقّل هي من المشاكل الأساسيّة الّتي تحدّ من عمل المرأة في الأردن. وتعتبر كذلك أنّها كانت محظوظة بامتلاكها سيارة ساعدتها في الانتقال بأمان إلى مواقع مختلفة خلال تجاربها المختلفة في العمل. في المقابل، تقرّ تالا بأنّ الكثير من النّساء لا يتمتّعن بهذه الرّفاهية، وأنّه يتعيّن عليهنّ استخدام وسائل النّقل العام للوصول إلى المشاريع الموجودة خارج عمان، وهذه الوسائل لا يمكن الاعتماد عليها نوعًا ما.

لقد غير الوباء حياتنا. وتشير تالا في هذا الصّدد إلى أن الوباء تسبب في ترك العديد من النساء وظائفَهن للبقاء في المنزل مع أطفالهن. فمع التّبديل في إقفال المدارس ودور الحضانة، واضطرار النّساء للعمل في المكتب أو عن بعد، شاهدت تالا نساءً يضطررن للاختيار بين عملهنّ وأسرتهنّ، وهذه الأخيرة هي أكثر أهمّية. وتوصي تالا بفتح دور رعاية نهارية أصغر في أماكن العمل حتى تشعر الأمهات العاملات بالأمان ولا تقلق بشأن الاضطرار إلى المغادرة مبكرًا لاصطحاب أطفالهن أو إيصالهم في الصباح. هذا الشعور بالأمان يمكن أن يؤدّي إلى وجود عاملاتٍ أكثر كفاءة ويساعد الشابات على أن يصبحن أكثر قوّةً عندما يحاولن تكوين أسرتهن.

تتمتّع تالا بشخصيّة ذات روح متحرّرة تتوق إلى توسيع خبرتها ومعرفتها في مجال مهاراتها التقنية، فضلاً عن الموضوعات ذات الصلة مثل التنمية الريفية وتمكين المرأة والمشاركة المدنية. هذه الرّوح دفعتها للانتقال من دورٍ واحدٍ لمشروع وطني إلى دورٍ آخر. وقد أظهرت لها طريقة تفكيرها أهمية إدارة المشروع وكيف وجدت نفسها قادرة على تبوّء مناصب مختلفة. وبالنّظر إلى أنّ النساء لا يُمنحن دائمًا الفرصة للترقية إلى منصب رفيع، تجد تالا نفسها  غير قادرة على كسر هذا الحاجز غير المرئي إذا لم تغير مسارها. وقد حدث ذلك معها من قبل في أحد المشاريع التي عملت فيها حيث وجدت أنها لا تستطيع المضي قدمًا، لذلك أخذت استراحة، وعملت على تطوير مهاراتها من خلال التسجيل في بعض الدورات الإضافية، ثم مضت للبحث عن فرص أخرى. تدير تالا الآن مشروعًا بقيمة 5 ملايين دولار في الأردن يسمى “تمكين المرأة من أجل الأدوار القيادية”،وتموله وزارة الشؤون العالمية الكندية وتنفّذه منظمة دولية غير ربحية.

وتنصح تالا الفتيات بالتحلي بالمرونة والصبر. كما تخبرهنّ أنّهن في الكثير من الأحيان لن يشعرن بالارتياح في مواقف معيّنة حيث لن يجدن صديقةً ينسجمن معها. وتقول أنه في هذه المواقف، يجب أن تتعلم الفتيات التحلي بالصبر حتى يتمكنّ من تعلم كيفية التعامل مع الناس. سيكون لدى الشابات فكرة وردية عن المهنة التي يمكن لهنّ من خلالها التعبير عن كل ميولهن وعلومهنّ بينما يكسبن دخلًا ممتازًا عندما يتخرجن من الجامعة، إلّا أنّ هذا التصوّر لا يمثّل الواقع.

تؤدّي المدارس دورًا مهمًا في تنشئة الفتاة. وتقترح تالا أن تلقي المدارس الضوء على النماذج التي يمكن أن تتطلّع إليها الفتيات كمثلٍ لها. كما توصي بمشاركة قصص النساء الناجحات اللواتي أحدثن تغييرًا في المجتمع وفي مجالاتهن وفي بيوتهن. وتقدم أمثلة حول مشاركة قصص الأطباء والمهندسين وأعضاء البرلمانات أو المعلمين الناجحين والتي يمكن للفتيات الصغيرات البحث عنها. يجب أن تكون المدارس أيضًا قادرة على تعليم الفتيات كيفية تحقيق التوازن بين حياتهن الشخصية والمهنية نظرًا إلى أنّ الأمومة أمرٌ مقدس وثمّة حاجة للحصول على وظيفة في العالم الحالي. كذلك تقترح تالا أن تركز المدارس على مواهب الأطفال، وهي تعتقد أنّ مجرد الاعتراف بالموهبة من شأنه أن يساعد في تشكيل شخصيات الصبية والبنات وتوجهاتهم نحو ما يريدون تحقيقه في الحياة. من خلال القيام بذلك، سيتعلم أفراد المجتمع المستقبليّون كيف يكونون مميزين وكيف يبرزون أنفسهم بدلاً من أن يقضوا حياتهم في محاولةٍ لتكرار شخص آخر.

هذه القصة من تأليف تمارا سليمان

Leave a Reply

Discover more from The Asfari Institute for Civil Society and Citizenship

Subscribe now to keep reading and get access to the full archive.

Continue reading