بعد أن عاشت الدكتورة جويس عزام داخل ملجأ خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وحاربت مرضًا مزمنًا في الرئة إضافةً إلى اضطراب فرط الحركة الموهن، تمكنت من الصعود نحو القمة، وأصبحت أول امرأة لبنانية تكمل “تحدي القمم السبع”. لقد قاومت درجات الحرارة المنخفضة ومستويات الأكسجين شبه المميتة ونجحت في تسلق أعلى جبل في كل قارة، لتصبح واحدة من أول ثلاث نساء في العالم العربي، وواحدة من بين 75 امرأة في جميع أنحاء العالم ممن قمن بذلك.
لقد تسلقت أكثر من 30 جبلًا من أكثر الجبال إثارةً للتّحديات حول العالم، بما في ذلك قمة إيفرست، وكليمنجارو، ودينالي في ألاسكا، وفينسون في القارة القطبية الجنوبية. لقد أنجزت هذا بينما كانت في الوقت نفسه تتابع العمل على تحصيل درجة الدكتوراه في إدارة البيئة والمناظر الطبيعية، ودرجة الماجستير في الحفاظ على المدن والمباني التاريخية من جامعة لا سابينزا في روما، ودرجة الماجستير في نماذج الحوكمة وإدارة النظام العام المحلي من جامعة بيروجيا في إيطاليا، ودرجة الماجستير في الهندسة المعمارية من الجامعة اللبنانية. وتعتقد الدكتورة عزام أن شهاداتها في الهندسة المعمارية كانت مفيدة للغاية عندما حان وقت إظهار رحلاتها الاستكشافية للعيان والتخطيط لها.
تلقت الدكتورة عزام شيئًا لا يُذكر من المساعدة، وكان عليها أن تكون هي المديرة لما يخصّها من تسويق واتصالات. وقد جاء ذلك في وقت لم تكن فيه الجهات الراعية على استعداد لرعاية أي رياضي لبناني بسبب الاضطرابات السياسية المستمرة في البلاد من العام 2012 إلى العام 2019، لكنها ثابرت وتمكنت من جمع مئات الآلاف من الدولارات بمفردها. وعندما قررت اتّباع شغفها بتسلق الجبال، لم تتلقّ شيئًا يُذكر من الدعم أو التشجيع من قبل العائلة أو الأصدقاء (عدا عن شقيقها جورج الذي ساعدها في التدريب)، وبدلاً من ذلك اختاروا تسميتها “المقامرة” بحياتها أو “المتوسلة” طلبًا للرعاية. ومع ذلك، فقد وضعت شارات الرعاية على معدّاتها بتفاخرٍ فريدٍ لا يظهر إلّا على من يدرك أنّه وصل إلى ما وصل إليه بنفسه.
بطبيعة الحال، لم يكن ما مرّ على الدكتورة عزام بتلك البساطة، فقد كادت توشك على الاستسلام نتيجةً لما تحمّلته من أعباء تتعلّق بفقدان ثقتها بنفسها، وبالانتقاد الموجّه إليها، وبرفض التّمويل والرّعاية، فضلًا عن التّمييز ضدّ المرأة، المنبثق من الرّجال والنّساء ضمن مجموعات تسلّق الجبال اللّبنانيّة والدوليّة. وعلى مدى أشهرٍ من الزّمن، وأثناء العمل على تحصيل درجة الدّكتوراه، فكّرت في بيع معدّاتها، والحصول على وظيفة تعليميّة تقليديّة في إحدى الجامعات، والاستقرار من خلال الانصراف إلى الزواج وتربية الأبناء. إلّأ أنّ رغبة الدكتورة عزام في أن تحقّق النجاح، وفي أن تثبت أنّ الجميع على خطأ، وفي أن تحدث تأثيرًا، وفي أن تحقّق حلمها، دفعتها إلى استكمال رحلتها يومًا بيوم، وإلى تسلّق الجبال المعنويّة والحقيقيّة في سبيل تحقيق تلك الرّغبة.
وبمجرّد أن أنهت الدكتورة عزام تسلق القمة الأخيرة (إيفرست)، تلاشى كلّ الاعتراض على مسيرتها من قبل المجتمع والأحباء، إذ تلقّت مكالمة من والديها عبر الأقمار الصّناعيّة. وكانت قد دخلت في جدالٍ معهما قبل المغادرة إلى رحلتها، ثمّ جرت هذه المكالمة وهي لا تزال على ارتفاع 6400 متر. هناك، جرت محادثة عاطفية جميلة بينها وبين والديها إذ أجادا أخيرًا فهم رؤيتها وقراراتها. وقد كانت تلك المكالمة بمثابة نقطة تحوّلٍ إذ حصلت أخيرًا على دعمهما وإيمانهما بمسيرتها، ولا شكّ أنّها محظوظة إذ اضطرّت إلى تسلّق سبعة جبال من أجل تحقيق ذلك. واليوم، يلتفت والداها نحو ابنة أختها ويعملان على تشجيعها كي تصبح بطلةً “مثل خالتها تمامًا”.
لم يكن بمقدور الدكتورة عزام أن تتنبّأ بحجم التّاثير الّذي خلّفته مسيرتها المهنيّة على الشّباب اللّبناني، إلى أن تلقّت مكالمةً من تلميذٍ يخبرها فيها أنّه اختارها لتكون موضوع عرضه التقديمي بعد أن تلقّى دروسًا في مدرسته عن الأبطال. لقد تأثّرت الدكتورة عزام بهذه اللّفتة إلى حدٍّ بعيد، ما دفعها إلى التّوجّه نحو المدرسة لتفاجئ التّلميذ وزملاءه، وتلقي كلمةً هناك. وقد استطاعت من خلال عملها عبر القارات مع المنظمات الدّولية والأوساط الأكاديمية ومراكز الفكر والمجتمعات المحلية أن تبثّ الشّغف الّذي بداخلها لتلهم الشّباب والنّساء القدرة على قهر التّحديات الحياتية والمجتمعية. كما أنّ الدكتورة عزام هي متحدثة ملهمة في الحلبات الدولية، تروج للحفاظ على الثروات البيئية والثقافية الثمينة.
وتتوجه الدكتورة إلى الفتيات والشابات بالقول: “لا تسمحن لأحدٍ باختيار مهنةٍ لكنّ، ولا تخترن مهنةً تعتقدن أنها مريحة أو تجعل منكنّ أمهاتٍ صالحات، أو مهنةً يريدها المجتمع. إنّما اخترن المهنة الّتي تشعركنّ بالسّعادة، وتلك الّتي تشعرن من خلالها وكأنّ النّور يشعّ في داخلكنّ، وتلك التي تبعث فيكنّ النشاط والحافز لممارستها في كلّ يوم.” وبينما يعتبر البعض أنّ هذه النّصيحة لا تبدو واقعيّة، تعتقد الدكتورة عزام أنها استطاعت بمفردها أن تصبح متسلقة جبال متفرغة لمهنتها، وذلك من خلال الاتّباع الخالص لما امتلكته من دافعٍ وحبٍّ ورؤية لرياضة تسلق الجبال. وتضيف قائلةً: “يمكن لكنّ ابتكار ما يحلو لكنّ، فلا تنتظرن حتى يؤمن أيٌ كان برؤيتكنّ.”
وتدعو الدكتورة عزام الحكومة والقطاع الخاص إلى تمكين المرأة وخلق المزيد من الفرص للنساء في المجال الرياضي. كما تدعو وسائل الإعلام إلى تسليط الضوء على النساء كما الرّجال في الميدان الرياضي، لا سيما على المستوى الوطني، إذ إنّ قلة قليلة من النساء الرياضيات حظين بفرصة الظهور على الشاشة. لقد حان الوقت لرؤية النساء الرياضيات يظهرن على شاشة التلفاز، وفي البرامج الحوارية، وفي الأخبار، فإنجازاتهنّ لا تقلّ شأنًا عن إنجازات الرّجال، لكنّ تمثيلهنّ يعدّ شبه معدوم. وتعتقد الدكتورة عزام أن مسألة تمكين المرأة هي مكسبٌ للجميع: لأنّ النّساء سيمتلكن حافزًا أكبر لتحقيق أحلامهنّ، والرّجال سيكونون أكثر تقديرًا للنساء المشاركات في الألعاب الرياضية.
تعمل الدكتورة جويس عزام حاليًا في مرحلة التخطيط والتطوير لاستكمال الرحلات الاستكشافية إلى القطبين الشمالي والجنوبي، وبذلك تكون الامرأة الرابعة على مستوى العالم التي تكمل هدف المستكشفين في تحدي غراند سلام.
هذه القصة من تأليف غادة القواص
Leave a Reply