أمنية جاد الله :المنصة حقها

إنّ الموازنة بين القانون الدستوري والشريعة يتطلب حكمة ورويّة وكذلك انفتاحًا على الإحتمالات. أمنية جاد الله محامية مصرية وأستاذة تدرّس القانون والشريعة في جامعة الأزهر التي لا يضاهي شغفها أحد في مجال القانون. آمنت أمنية بأنه لا يمكن تحصيل حقوق المرأة قبل تحصيل حقوق المواطنين المصريين بصرف النظر عن توجهاتهم الجنسانية والعقائدية والاجتماعية. كما أنها عزمت على الوصول لأهدافها مهما كلّفها ذلك من الوقت وأيًا كانت العواقب. فلطالما أوجدت سببًا لاستمرارها في السّعي لتحقيق العدالة في مصر.

تنحدر أمنية من عائلة مجدّة في الإنجاز وداعمة لقرارها. فهي محاطة بالقضاة والمحامين في عائلتها، كما أنّ والدها متخصّص في مجال القانون وبدوره ألهمها من خلال أعماله. وهي تستذكر انخراطها بنقاشات معمّقة حول القانون وبمحادثات ذات طابع اجتماعي- سياسي. ما حفّزها أن تحذو حذو أبيها لا والدتها التي كانت طبيبة. وتذكر أمنية أنها كبرت في منزل لم يدخله التلفاز خوفًا من إضاعة الوقت. ومع ذلك، استثمرت والدتها في مكتبة كبيرة حيث قضت أمنية معظم وقتها في القراءة والتعلم عن الظواهر الاجتماعية والشخصيات المؤثرة في جميع أنحاء العالم.

ولطالما نظرت إلى نفسها على أنها امرأة قوية ومستقلّة لديها رؤية لحياتها وترفض أن يسيطر عليها الآخرون. وأدركت أنه من المقبول أن ترغب في أن تكون مستقلاً ماديًا حتى عندما تكون جزءًا من عائلة يعمل فيها أكثر من شخص واحد. وقد رفضت الإنصياع إلى التركيبات الاجتماعية و”حقيقة” أن المرأة يجب أن تبقى في المنزل فقط – ما لم يكن هذا هو اختيارها أو تفضيلها – ما لم تقرر ذلك. ظهرت هذه الفكرة أكثر من مرة في حياة أمنية حيث أخبرها العديد من الرجال أن كونها محامية سيؤثر سلبًا على حياتها، حيث برهنت عن جرأتها وتولّيها للقضايا الحرجة. ومع ذلك، لم يؤثر هذا على أمنية أبدًا وأصبح سببًا لرغبتها في المضي قدمًا في سعيها لتحقيق العدالة.

ومن أجل متابعة دراستها في القانون والشريعة، التحقت أمنية بجامعة الأزهر كطالبة جامعية. وكون الأزهر جامعة مشهورة في مصر، لم تكن تعتقد أن تجربتها الأولى مع التمييز ستبدأ هناك. من المعروف أن جامعة الأزهر لديها أقسام منفصلة للرجال والنساء. أثّرت تجربتها الأولى على قرارات حياتها وأثرت على الجهد الذي كان عليها بذله للتعويض عن الظلم. يوجد بالجامعة أقسام باللغتين الإنجليزية والعربية لجميع التخصصات تقريبًا، لكل من الرجال والنساء، ومع ذلك، لم يكن هناك سوى قسم باللغة العربية لتخصص القانون للنساء حتى عام 2017، بينما كان لدى الرجال أقسام تدرس بكلتا اللغتين. وقد أثر هذا على سعي أمنية للدراسات العليا حيث كان عليها إعادة تعلم موادها باللغة الإنجليزية لمتابعة دراستها العليا في الخارج. إن فرض خيار لغوي يبدو بسيطًا بالنسبة لأمنية دفعها إلى بذل جهود غير ضرورية لمواصلة تعليمها. جعلت هذه التجربة الأولى أمنية تدرك جيدًا المظالم الخفية التي لا يتم الحديث عنها ولكنها تسبب ضغوطًا فردية لا داعي لها على كل من الطلاب والنساء.

لم يكن الاعتقاد بأنها قادرة على تحقيق أشياء عظيمة كافياً بالنسبة لأمنية. وقد رأت أن النظام القضائي يجب أن يكون إلى جانبها أيضًا حتى يصبح تحقيق المساواة أمرًا ممكنًا. فتوضح بدورها أنّ هناك خمسة مناصب يمكن للقضاة التقدم إليها في مصر. من بين هؤلاء الخمسة، يُسمح للنساء فقط بالتقدم إلى اثنتين منهن، ويتنافسن ضد الرجال هناك أيضًا. تناقش أمنية أيضًا كيف يتساوى هذان المنصبان مع المناصب الإدارية حيث لا يمكن للقاضي اتخاذ أي قرار بشأنها قبل إرسال القضية إلى أحد القضاة الثلاثة الآخرين الذين يمكنهم اتخاذ القرار النهائي. ابتدأت أمنية مبادرة “المنصة حقها” في مصر . ومن شأن هذه المنصّة رفع قضايا نيابة عن خريجات ​​حقوق أخريات، وعقد مؤتمرات وندوات وجلسات بالتعاون مع المنظمات غير الحكومية النسوية. كان الهدف تسليط الضوء على القضايا المتعلقة بدور المرأة في عمليات صنع القرار وكذلك زيادة النشر عن القاضيات حول العالم باللغة العربية لإطلاع الجمهور على مساهماتهن وكسر الصور النمطية التي ترسخ فكرة عدم إمكانية المرأة أن تكون قاضية. وزادت هذه المبادرات من الوعي بحيث غيرت مفهوم دور المرأة في النظام القضائي في الأردن ، كما انعكس ذلك في الخطوات الحكومية الأخيرة لتعيين المزيد من القاضيات.

تودّ أمنية التفريق بين تفاعلها مع وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لأنها تختلف اختلافًا كبيرًا. فتشير إلى أنّ وسائل التواصل الاجتماعي ساعدتها كثيرًا في نشر رسالتها حول دور المرأة في مهنة المحاماة. لقد ساعدها ذلك في الوصول إلى العديد من المنظمات التي عرضت المساعدة ومنحت مساحة للتحدث عن هذا الأمر. ومع ذلك، فإن أمنية، بصفتها مدرسًة في جامعة للدّولة، تمتنع عن التحدث في وسائل الإعلام الوطنية أو القنوات التلفزيونية. وتعتقد أنه من الحكمة عدم التحدث في وسائل الإعلام الوطنية خوفًا من اتهامها بالتعليق على الأحكام أو التدخل في شؤون السلطة القضائية المستقلة. من هنا، تظهر أمنية أن هناك عدة طرق للتحدث والدفاع عن حقوق الإنسان دون أن تؤثر على حياته الشخصية وسبل البقاء.

كانت نصيحة أمنية للمدارس فريدة من نوعها. وإدراكًا منها أن تغيير المنهج والهيكل بأكمله أمر صعب للغاية، فاقترحت أن تحصل المدارس على مواد تعليمية تعزز الوعي. وتوصي المدارس، وخاصة في المرحلة الابتدائية أو التأسيسية، بإدخال الكتب والروايات التي تصوّر النساء القدوة في المناصب القيادية. وتوضح أيضًا أنّ خلال نشلأتها، لم تقرأ أبدًا كتابًا في المدرسة عن قاضية أو ملكة أو رائدة أعمال مشهورة، حيث كانت جميع الروايات عن الرجال والملوك والرؤساء الذكور.وهي تسلّط الضوء على أهمية الكتب وخاصة السير الذاتية للمرأة في تربية الفتيات وتعزيز تأثيرها. نظرًا لأن القراءة كان لها تأثير كبير على اختياراتها وقراراتها، تعتقد أمنية أن الإلهام ينبع من القراءة عن الأشخاص الذين يقودون بالقدوة، وبهذه الطريقة، يمكن للفتيات أن يقررن ما يردن أن يكن، بصرف النظر عن الجنسانية أو العقيدة أو الانتماء المجتمعي.  

هذه القصة من تأليف تمارا سليمان

Leave a Reply