عندما كان تبلغ هالة الشعراوي خمس سنوات فقط، أخذها والدها، وهو لاعب كرة سلّة هاوٍ، إلى ملعب لكرة السلّة وطلب منها أن تسجّل الكرة. كانت الأطواق في الملعب قد خفّضت في ذلك اليوم، فمشت الطفلة هالة وسجّلت في طوق السلّة، وظلّت متمسّكة بها. بدهشةٍ وحماس، تواصلت عائلتها مع نادي الأهلي الرّياضي عن طريق المدرّبة لبنى صالح ليضمّوها إليهم. بعد أشهر قليلة، انضمّت هالة إلى فريق كرة السلّة للصغار الذين هم تحت الثّماني سنوات، ومنذ ذلك الحين وهي تلعب. هي أيضًا تمارس السّباحة منذ أن كان عمرها خمس سنوات، كما أمضت سنتين وهي تلعب الجمباز.
تذكر هالة كيف كان والدها ينظّم مباريات فرديّة بينها وبين أقربائها الشبّان الأكبر منها سنّا عندما كانت في الثانية عشرة من عمرها وهم كانوا في السّابعة عشرة. كان يدرّبها بين الخطوط الجانبيّة ويسجّل المباريات ليحدّد النّقاط الّتي يمكن تحسينها وليحفّزها لتصلح أيّة أخطاء لتصبح لاعبةً أفضل. كان والدها يعلّمانها أيضًا أساسيات كرة السلة. في المدرسة، كانت هالة معروفةً بالفتاة الطّويلة، لاعبة كرة السّلّة، وكان رفاقها يحضرون جميع مبارياتها باستمرار. انضمّت هالة لاحقًا لفرق الشّباب ما دون ال 16 وتحت ال 18 سنة، وساهمت في الفوز في البطولة الأفريقيّة لكرة السلّة.
لعبت هالة في كأس العالم لكرة السلة للنساء عندما كان عمرها سبعة عشر عامًا فقط، حيث نالت لقب الحاجبة الأفضل في العالم. هذا الإنجاز فتح أمامها الطّريق للتّقديم على جامعات في الولايات المتّحدة الأمريكيّة وللمحاولة للحصول على منحة رياضيّة لكرة السلّة، وهو أمر غير مسبوق بين زملائها في الفريق. جمع والدها العناوين الّتي تتناول إنجازها في كأس العالم وأرسل مئات الطّلبات لجامعاتٍ في الولايات المتحدّة الأمريكيّة. سبع جامعات أرسلت ردودًا إليهم. كانت هالة ترغب بالانضمام إلى جامعة ’سانت بيترز‘ وذلك بسبب قسم شعبة الرابطة الرياضية الجماعية الوطنية وموقعها، واتّخذت قرارها عندما علمت أنّ زوج مدرّبتها كان مصريّ الجنسيّة.
أمضت السنوات الأربع اللّاحقة وهي تدرس المحاسبة وقانون إدارة الأعمال، وتلعب كرة السّلة بدوام كامل كتلميذة-رياضيّة حاصلة على منحة دراسيّة كاملة. تؤمن هالة أنّ تجربتها مهّدت الطّريق أمام نساء رياضيات أخريات في مصر، والذين يقدّمون حاليّا طلبات لمؤسسات أمريكيّة سعيًا وراء حبّهن لكرة السّلة. في الوقت الذّي تخرجت فيه من جامعة ’ سانت بيترز‘، كانت قد أصبحت رائدة البرنامج الدّائمة في الكتل الوظيفيّة. قرّرت أن تصبح محترفة ووقّعت عقدًا مع نادي ’ الهوبس‘في لبنان لموسم واحد. أحبّت المكان هناك وتعلّمت الكثير من هذه التّجربة الّتي ساعدتها أيضًا على احراز تقدّم في مسيرتها في كرة السلّة.
لم تكن مسيرة هالة كامرأة عربيّة تلعب كرة السلّة معبّدة بالورود. واجهت التمييز أولًا لكونها عربيّة، وثانيًا لكونها امرأة. كان وكلاء التوظيف يتفاجؤون برؤية لاعبة كرة سلّة مصريّة ويسألونها بسخرية إن كان المصريون “يعيشون في الصّحراء مع الجمال”. تذكر أيضًا الفجوة العميقة في الأجور والفروقات في التّمويل بين كرة السلة للرّجال وكرة السلة للنّساء (بالإضافة إلى المقارنة بين كرة السلّة وكرة القدم بشكل عام)، إذ إنّ الناس يعتقدون أنّ الرياضات النسائيّة ليست بذات الأهميّة، مع أنّ النّساء يمكنهن الصّمود وحدهنّ في الملعب. حصلت هالة على وظيفة بدوام نهاريّ لكي تملأ الفراغ في برنامجها لأنّ تمارين كرة السلّة كانت في وقت متأخر من النهار. ولكن، وبسبب الجهد الّذي تبذله في الملعب، يمكنها الآن أن تركّز على عملها كلاعبة كرة سلّة بدوام كامل. فهي ترى أنّ الأمور تتحسّن ولو بشكل طفيف بسبب زيادة بسيطة في التّمويل والتغطية الإعلاميّة؛ ولكنّها تشجّع وسائل الإعلام والرّعاة لكي يدعموا النّساء في مجال الرّياضة بشكل أكبر.
غير أنّها واجهت ردّود فعل سلبيّة من مشجّعي هذه الرّياضة. عندما حصلت هالة على عرض من نادي الإسكندرية الرياضي وليس من النّادي الأهلي، قرّرت أن تقبل به وتتحدّى نفسها وتخرج من منطقة راحتها. بسبب العداء بين النّاديين، لم يسعد المشجّعون بقرارها. فقد تلقّت الكثير من ردود الفعل والتّعليقات السلبيّة في المقالات؛ حتّى أن الأمر وصل بالبعض منهم أن يتواصلوا مع عائلتها ويسألوهم إن كانت قد اتّخذت هذا القرار بسبب الأموال. قاومت هالة كل ذلك؛ حذفت جميع تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي، استجمعت قوتها الداخلية، وسعت لتكون الأفضل في الملعب خلال الفترة المتبقيّة لها في النّادي الأهلي الرّياضي، ونجحت في الحصول على جائزة اللّاعبة الأفضل في آخر مباراة لها عندما فازوا بالبطولة. هي أيضًا تؤمن أن كونها قدوة للفتيات الشّابات، وخاصة الرّياضيّات منهنّ، يجعل كل ما تمر به يستحقّ العناء.
دفعت هالة ثمنًا آخر لانتقالها إلى نادي الاسكندريّة الرياضي: كان مقرّه في الاسكندريّة، ويبعد ساعتين عن منزلها وأحبابها في القاهرة. هذا يعني أن عليها أن تمضي نهار عطلتها تتنقّل في الحافلات لتستطيع أن تلتقي بكل من عائلتها، أصدقائها، وزوجها. كان من الصّعب التّأقلم مع العيش وحيدة في مكان غير مألوف بالنسبة لها، لكنّها تلقّت الدّعم من زملائها الجدد في الفريق واستطاعت أن تبني مجتمعًا لها في الإسكندرية. تستغلّ هالة وقت فراغها في المنزل لتوسّع آفاق معرفتها، وتنخرط في برامج تغذويّة ورياضيّة عبر الانترنت لتعزّز قدراتها.
تنصح هالة النّساء الشّابات ألا يتنازلن، “اعملن بجدّ كلّ يوم وحاولن إحراز تقدّم كلّ يوم. حدّدن أهدافًا لأنفسكنّ، حقّقوها ثمّ ضعن أهدافًا جديدة. دائمًا اسألن: ’ ما التّالي؟ ‘اخترن الشيء الّذي يدفعكن للنّهوض صباحًا برغبة للعمل بجدّ.” تقر هالة بأنّ العمل ليس بسهولة الكلام، وتشجّع النّساء والفتيات الشّابّات على إحاطة أنفسهن بأشخاص يدعمونهن ويشجعونهن، إن كانوا أفراد عائلة، أو أصدقاء، أو أشخاصًا يلتقون بهم خلال مسيرتهم.
تذكر هالة كل من المدرّبة كارتر، وفيلم الحب وكرة السلّة، وبالطبع كارتون “سبايس جام” في بداية مسيرتها كمؤثرين في حبّها لكرة السلّة، وهي تؤكّد أنّها لم تكن لتحقّق شيئًا من دون حب ودعم وتشجيع والدها المستمرّ لها. “هو صديقي المفضّل، ولم يفوّت مباراة واحدة لي. إن لم يستطع الحضور بنفسه، كان يشاهدني ويشجعني من خلال البثّ المباشر.” دعمه الثّابت لها وايمانه بقدراتها دفعها لئلّا تشكّ بنفسها أبدًا أو تستسلم، ولتسعى دومًا لتكون الأفضل في ما تفعله، لأنّها بالنّسبة إليه، الأفضل. تثبت هالة شيئًا فشيئًا أنّه على حقّ.
هذه القصة من تأليف غادة القواص
Leave a Reply