الصحافة رسالة. تعيش رنا الحسيني وفق هذا الشعار محوّلةً حياتها المهنية إلى سعي مستمرّ لتحقيق العدالة. كصحفية تعمل لأكثر من 25 عامًا، استخدمت رنا موقعها لتسليط الضوء على القضايا المجتمعية. وهي تركّز على قصص العنف وتفضل الإبلاغ عن الجرائم المرتكبة ضد المرأة لأنها بارزة في الأردن، ولم تتلق الكثير من الاهتمام في الماضي. أثارت قصص رنا غضب الرّأي العام في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ما دفع الحكومة باتّخاذ إجراءات لإنهاء هذه الظاهرة الكارثية.
وعلى الرغم من أنّ العنف ضد المرأة يتّخذ أشكالًا مختلفة، بما في ذلك العنف المنزلي، تميل رنا إلى التركيز على النوع الموجود في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك منطقتنا، وهو العنف في إطار شرف العائلة. يسمح هذا النوع من العنف للرجال بقتل النساء، وخاصة أفراد عائلاتهم، عندما يشعرون أنهم انتهكن أيًا من الأعراف المجتمعية، وبالتالي انتهكن شرف الأسرة. عادة ما يكون هذا النوع من القتل مبررًا في معظم الدول العربية حيث يفلت القاتل بفعلته دون عواقب ملموسة وبدون أن يحاسبه القانون. لذا كان عمل رنا في تغطية قصص النساء لا ينتهي أبدًا. بغض النظر عن التغييرات التي تحدث في المجتمع من حولها، فإنها تشعر بضرورة سرد هذه القصص لتتمكن من الوصول إلى العدالة المطلقة.
قصة مرعبة ألهمت رنا لمتابعة هذه المهنة وجعلتها ترغب في تسليط الضوء على جرائم الشرف. في عام 1994، قُتلت تلميذة تبلغ من العمر 16 عامًا على يد أحد أشقائها بدافع حماية “شرفه”. تعرضت هذه الفتاة للاغتصاب من قبل شقيق آخر حاول قتلها بعد أن أبلغت عائلتها. عندما حملت، زوّجها والدها من رجل يكبرها في السن، والّذي طلّقها فيما بعد. تسبب طلاقها في قتلها على يد أحد أشقائها. ولأن هذه القصة لم تكن أنموذجية، كانت رنا لا تزال تحت أثر الصدمة وأرادت نقل هذه القصة وشبيهاتها.
لم تعتقد رنا أن أي شخص سيقف في طريقها عندما قررت الخوض في هذا الطريق للمرّة الأولى. اعتقدت أن الإبلاغ عن قصص هؤلاء الضحايا والناجيات سيكون موضع تقدير كبير بين أفراد المجتمع الأردني لأنه سيساعد في تطوير بيئة مجتمعيّة أفضل. ولكنها تلقت ردود فعل عنيفة ليس فقط من الرجال، ولكن من النساء أيضًا. عند الإبلاغ عن قصص معينة، كانت رنا تتلقى مكالمات من أفراد عائلات الضحايا الذين عارضوا مشاركة القصة مع الجمهور ومحاسبة القاتل على أخطائه. ومع ذلك، فإن هذا لم يمنع رنا أبدًا من فعل الصواب لأن هذه القصص يجب مشاركتها لزيادة الوعي والحد من هذه الجرائم.
ومع مرور الوقت، كان يتم الاتصال برنا من قبل الشباب والشابات الذين أرادوا استخدام مقالاتها وكتبها كمصادر لعملهم، الأمر الّذي جعلها تدرك أنه لا يوجد بحث وتوثيق كافٍ لجرائم الشرف في الأردن. هذه الندرة في العمل الموثّق تعرقل عملية التحليل لأي وضع حالي وللكفاح من أجل العدالة. لهذه الأسباب، نشرت رنا أول كتاب لها بعنوان “الجريمة باسم الشرف” باللغة الإنجليزية عام 2009 والعربية عام 2010، ثم تُرجم إلى اللغتين الفنلندية والهولندية في السنوات التالية. صدر كتابها الثاني بعنوان “سنوات النضال … الحركة النسائية في الأردن” عام 2021.
تدرك رنا أن بعض التغييرات حدثت على المستوى الدستوري. وتقول إن هناك قوانين معمول بها للحد من حدوث ما يسمى بجرائم الشرف. ومع ذلك، هذا ليس كافيًا برأيها. وتقول إنه على الرغم من وجود هذه القوانين، فهي بعيدة عن التنفيذ، وأن الإجراءات القضائية تستغرق وقتًا طويلاً للوصول إلى قرارات حاسمة فيما يتعلق بالقتلة الّذين ارتكبوا جرائم الشرف. بالنسبة لها، تعتقد أن عدم تنفيذ القانون أمر يناهض الغرض من القانون نفسه، وأن الخطوة الأولى للوصول إلى العدالة هي وضع أمثلة للعواقب الوخيمة المفروضة على القتلة لكي يتعلم منها الآخرون.
بغض النظر عن مدى صعوبة الإبلاغ عن قصص الجريمة، تشير رنا أننا بحاجة للاعتراف بمصدر المشكلة وكيفية حلها. غرضها من وراء كتابة القصص ليس فقط السماح للجمهور بمعرفة ما يحدث، ولكن أيضًا للسماح لهم بتحليل التركيبات الاجتماعية التي يحتاجون للتغلب عليها. تلفت رنا الانتباه إلى أننا لا نستطيع التعميم بالمطلق. لا يمكننا أبدًا أن نقول إنّ جميع الرجال متشابهون، أو أنّ جميع الرجال يريدون التوافق مع هذه المعايير المجتمعية المفروضة عليهم. وتقول أنه في بعض الحالات، يُجبر الرجال على ارتكاب مخالفات لأنه يُطلب منهم ذلك، من قبل أفراد الأسرة الأعلى منهم على سبيل المثال. في المجتمعات التي لا تحدث فيها المناقشات النقدية في كثير من الأحيان، لاحظت رنا أن بعض الرجال ليس لديهم خيار سوى الالتزام بالمعايير المجتمعيّة، حتى وإن كانوا لا يرغبون في ذلك. الاعتراف بهذا الأمر يجعلها تلاحظ أن التغيير يجب أن يبدأ من الجوهر.
تعرض رنا، بصفتها صحفية وكاتبة وداعية المشاركة في ندوات وحلقات دراسية لمناقشة مشكلة جرائم الشرف. لاحظت أنه مع مرور الوقت، بدأ الناس يصبحون أكثر اهتمامًا بمعرفة المزيد عن الموضوع والاستماع إلى القصص القاسية على الرغم من صعوبة الاستماع إليها. في البداية، لاحظت أنه لم يكن الكثير من الرجال يحضرون المحادثات التي كانت تجريها، وكان جمهورها مؤلّفًا من النساء بشكل أساسي. الآن، في عام 2021، تراقب رنا عددًا أكبر من الرجال ضمن جمهورها الذين يرغبون في طرح أسئلة نقدية وأن يكونوا أكثر انخراطًا في هذا الموضوع، سواء أكان مرتبطًا بحياتهم أم لا. تذكر رنا أنه حتى إذا كانت هناك مشكلة معينة لا تؤثر على شخص بشكل مباشر، هذا لا يعني أنه لا يجب عليه أن يوليها اهتمامًا بمعرفة المزيد عنها ومحاولة حلها.
كما تنصح رنا الفتيات، سواء كانوا يريدون ممارسة مهنة في الصحافة أم لا، باتباع أحلامهن والسعي وراء ما يؤمنّ به. بالنسبة إليها، يجب على الفتيات أن يعتقدن أن بإمكانهن إحداث فرق، حتى لو لم يكن ذلك في البداية، لكنهن سيصلن إلى هذا الهدف في مرحلة ما من حياتهن إذا كان لديهن الشّغف الكافي. وتقول بأن الفتيات سيتعلمن المزيد كل يوم وسيجدن طرقًا لهن بغض النظر عن مدى إحباطهن. وتشير أيضًا إلى أنّ الفتيات يمكن أن يصلن إلى طموحاتهن طالما أنهن لا يؤذين أحداً أثناء عملية الوصول إليها.
هذه القصة من تأليف تمارا سليمان
Leave a Reply