بتول أرناؤوط: تعزيز وضع الرّياضة في الأردن

عملت بتول أرناؤوط في مجال العلاقات العامّة والاتّصالات معظم حياتها، فلاحظت من خلال ذلك أن لا تكافؤ في الاهتمام المكرّس للرياضة في الأردن، الأمر الّذي انتهى إلى استبعاد البعض خارج هذا الميدان. ومنذ سبع سنوات، أُتيحت لبتول فرصة الاستفادة من خبراتها كرياضيّة أردنيّة من أجل تحسين وضع الرّياضة في الأردن، وذلك عبر إطلاق مبادرةٍ تدعم فيها الرّياضيّين الأردنيّين.

ولدت بتول في قلب العاصمة الأردنيّة عمّان، وترعرعت على امتلاك القوّة شأنها شأن نظرائها الذّكور. وحين بلغت الخامسة من عمرها، قام والدها بتسجيلها وأختها كعضوين في صف التايكوندو بدافع أن تكونا قويّتين كما الفتيان، وأن تمتلكا الفرص ذاتها الّتي يمتلكونها. وبعد أن كبرت بتول واستكشفت مختلف أنواع الرّياضة، أُغرمت برياضة السكواش ولعبت ضمن المنتخب الوطني الأردني للسكواش لفترةٍ امتدّت إلى سبع سنواتٍ تقريبًا.

وحين أُصيبت بتول بإصابةً دائمة في مرفق يدها أثناء ممارسة رياضة التّنس، استحوذت عليها رغبةٌ ملحّةٌ في إيجاد رياضةٍ أخرى لا تستلزم الضّغط على ذراعها. بعدئذٍ، استشعرت في نفسها شغفًا جديدًا برياضة ركوب الدّراجات، وهي رياضةٌ مضى على ممارستها لها ثلاثة عشر عامًا إلى الآن، بالإضافة إلى رياضة الجري الّتي كانت تستمتع بممارستها مذ أن كانت طفلةً صغيرة. وخلال نشأتها، لاحظت بتول أنّ جلسات التّدريب الّتي تتابعها في مختلف الرّياضات لا تتضمّن العديد من الفتيات، الأمر الّذي أبرز تفوّقها. إلّا أنّ هذا الأمر لم يؤثّر على خياراتها إذ كانت تحظى بدعم والديها اللّذين أرادا لها الاستمرار في القيام بما تهواه نفسها.

لاحظت بتول الضّعف الكامن في البنى التّحتيّة انطلاقًا من تجاربها الخاصّة ومن زيارتها للمناطق الرّيفيّة كجزءٍ من المبادرة الّتي أطلقتها. ونظرًا إلى عدم توافر الأرصفة أو المسارات الخاصّة بالجري أو بركوب الدّراجات، لم يجد الأهل ما يشجّعهم على السّماح لأولادهم بممارسة الرّياضة في الهواء الطّلق، ناهيك عن الفتيات اللّواتي لم يحظين بحدٍّ أدنى من التّشجيع. كما شاهدت بتول رياضيين، ممّن ينتمون إلى المناطق الرّيفيّة، يشاركون في أحداث رياضيّة رغم افتقارهم للتّجهيزات المناسبة، حتّى أنّ البعض منهم كانوا يجرون حفاة الأقدام.

انطلاقًا من ذلك، قامت بتول بتأسيس مبادرة “الرّياضة اليوم مع فرصٍ وخياراتٍ أفضل” (BOOST) بهدف توفير الدّعم المتكافئ للرّياضيّين في المجتمعات المهمّشة، ذكورًا كانوا أو إناثًا، ما يساعد على إتاحة فرصٍ أفضل للرّياضيّين الّذين يحصدون نتائج هامّة في المباريات ولكن يفتقرون إلى الدّعم المادّي. وخلال تطبيق المبادرة، واصلت بتول المضي قدمًا في ما بدأت به رغم التّحدّيات الّتي واجهتها، واستطاعت أن تمدّ يدها إلى المئات من الرّياضيّين في جميع أنحاء البلاد.

لقد تعلّمت بتول من إصاباتها دروسًا كثيرة، حتّى أنّ إصابتها الحاليّة الّتي يطلق عليها الأطبّاء تسمية “الاستخدام المفرط” أدّت بها إلى التّوقف مؤقّتًا عن ممارسة رياضتي الجري وركوب الدّراجات. أمّا إصابتها السّابقة الّتي جعلتها تتخلّى عن رياضة السكواش كانت من جرّاء استخدام معدّاتٍ ثقيلة الوزن. وأوضحت بتول أنّ إصاباتها علّمتها أنّ الرّياضييّن يحتاجون تدريباتٍ متخصّصة في شتّى أنواع الرّياضات. وقد تبيّن لها عبر السّنوات أنّ مدرّبيها كانوا على قدرٍ من الخبرة، ولم يميّزوا في التّعامل بينها وبين نظرائها من الذّكور، إلّا أنّهم لم يأخدوا بعين الاعتبار حاجات بتول الفتاة وبتول الإمرأة. فبالنّسبة إليها، ينبغي على المدرّبين أن يكونوا على درايةٍ بالاختلافات الفيزيولوجية بين الفتيان والفتيات، إذ لكلٍّ منهما فيزيولوجيا مختلفة وساعاتٍ بيولوجيّة مختلفة أيضًا.

وأقرّت بتول أنّ مدرّبيها قد عاملوا الفتيان والفتيات على قدم المساواة، إلّا أنّهم لم يلحظوا حاجاتها الجسديّة الخاصّة كفتاة، ولهذا السّبب، قرّرت الالتحاق بدوراتٍ تتيح لها تعلّم الفروق المتعلّقة بالفيزيولوجيا، وعلى وجه الخصوص لدى الأطفال والنّساء. كما أدركت أنّ النّظام الرّياضيّ في الأردن لا يركّز بتاتًا على الصّحّة العقليّة للرّياضيّين كأن يكون لديهم مشاكل في المنزل على سبيل المثال. نتيجةً لذلك، باتت تولي اهتمامًا أكبر لتدريب الرّياضيّين على أساسٍ فردي لا جماعي، وذلك من خلال التبحّر في علوم البيولوجيا المتعلّقة بهم، وفي راحتهم وفي صحّتهم العقليّة.

وفي حديث لنا مع بتول، اقترحت أن تباشر الحكومات باستثمار شبابها وبالتّخطيط لإتاحة الفرصة أمام جميع الفئات العمريّة لممارسة الرّياضة، من أيّ جنسٍ كانوا وفي أيّ منطقة. وبخصوص العاصمة عمّان، رأت بتول أنّ ما يتمّ تلقّيه من أموالٍ يتمّ صرفه على تحسين ظروف رياضاتٍ محدّدة فحسب، مثل كرة القدم وكرة السّلّة. في المقابل، أشارت بتول إلى أنّ وضع الرّياضة في الأردن يتحسّن بالنّسبة إلى الفتيات، إذ تستضيف المدارس والنّوادي فرقًا من البنات، وهو ما اعتبرته بتول بريق أملٍ في الأردن تتمنّى أن يمتدّ ليطال جميع المناطق الرّيفيّة بالإضافة إلى عمّان.

ترفض بتول التّمييز بين الفتيان والفتيات، إذ ينبغي معاملة الجميع على قدم المساواة، وتوفير الفرص ذاتها للجميع. أمّا نصيحتها الأولى للفتيات، فهي مواصلة التّعلّم والعمل على تحسين درجتهنّ العلميّة. تقدّم بتول هذه النّصيحة وصدى كلمات والدها يتردّد في عقلها الباطني إذ أرادها أن تتمتّع بالاستقلال الماديّ. ومن أجل إثبات وجهة نظرها، توضّح ما حقّقته من إنجازاتٍ بينما كانت تتابع تحصيلها العلمي وحصدت العديد من الشّهادات التي ترفع من قيمة الشّهادة الّتي نالتها في التّسويق.

وتنصح بتول الفتيات بأن يكنّ على درايةٍ كاملة بحقوقهنّ وواجباتهنّ في الحياة، إذ إنّ معظم المشاكل منشؤها الجهل. ومن خلال ما رأته من مشاكل يعاني منها الكبار كانت قد بدأت في شبابهم، فهي تنصح الفتيات كذلك باختيار رياضةٍ يستمتعن بممارستها، ويعتبرنها ضرورةً لا ترفًا. وإنّ الدّافع وراء نصيحة بتول ليس مكانتها كرياضيّة فحسب، إنّما مكانتها كمواطنة أردنيّة تشهد ارتفاع معدّلات التّدخين بين الشّباب، ومعدّلات الإصابة بمرض السّكري وبالبدانة بين الأطفال.

وبصفتها إمرأة عربيّة تشارك في صناعةٍ يهيمن عليها الرّجال، تأخذ بتول زمام المبادرة لتحدث تغييرًا تتجاوز فيه البنية الاجتماعيّة في الأردن. كما أنّها تعتبر نفسها شخصًا ممّن يحدثون تغييرًا في المجتمع، وتشعر بالفخر حين يدنين منها الفتيات ليخبرنها أنّهنّ ماضياتٍ على إثرها. وتوضّح بتول أنّ التّعليقات السّلبيّة، مهما بلغ عددها، لا يمكن أن تثني الفتيات عن تتبّع اهتماماتهنّ وأحلامهنّ، وأنّ التّحدّيات ستستمرّ بالظّهور على الدّوام.

هذه القصة من تأليف تمارا سليمان

Leave a Reply