شرعت الدكتورة منى ضميدي إلى دراسة البرمجة وهي لا تزال في السادسة عشرة من عمرها، الأمر الذي هيأها لتكون أصغر أنثى حاصلة على شهادة الدكتوراه من كلية الهندسة وتكنولوجيا المعلومات التابعة لجامعة النجاح الوطنية عام 2016. وفضلًا عن حيازة الدكتورة ضميدي لشهادة الدكتوراه في هندسة البرمجيات المتقدمة والتعلم الآلي، وحصولها على شهادة الماجستير بدرجة امتياز في هندسة البرمجيات المتقدمة وإدارة البيانات من جامعة مانشستر، فهي تواصل سعيها نحو توسيع الحدود لما هو متوقع من المرأة في مجال الذكاء الاصطناعي.
والدكتورة ضميدي هي عضو في مؤتمر النساء العربيات في مجال الحوسبة، وهو عبارة عن تجمّعٍ كبير يجمع الشابات من جميع أنحاء العالم، من أجل الانضمام إلى مؤتمرٍ من شأنه إتاحة المجال أمامهنّ للتواصل مع شركات التكنولوجيا الكبرى، وهذا بدوره قد يشرّع لهنّ أبواب العمل. وعند انضمام الدكتورة ضميدي إلى المؤتمر للمرة الأولى، تمكنت من تأمين ثلاث منحٍ للنساء في جامعتها للانضمام بدورهنّ إلى المؤتمر، متوقعة تلقي العديد من الطلبات، إلّا أنّها لم تتلقّ شيئًا. عندها، أدركت أنه من الضروري تمكين الشابات وتشجيعهن على استثمار مثل هذه الفرص من أجل تعزيز مهاراتهن وفرصهنّ في العمل، وبهذه الطريقة، يزداد عدد النساء في غرفة صناعة القرار.
وبالنظر إلى أنّ مجال صناعة التكنولوجيا هو مجالٌ يهيمن عليه الذكور بشكلٍ كبير، غالبًا ما تجد الدكتورة ضميدي نفسها واحدة من بين امرأتين أو ثلاث نساء في غرفةٍ تضمّ ثلاثين رجلًا، إلّا أنّ ذلك لم يمنعها من الإصرار على إيصال صوتها وأصوات النساء الأخريات. وفي هذا السياق، شددت الدكتورة ضميدي على أهمية وجود شخصٍ إلى جانبك في الغرفة، على استعدادٍ لتأييد خطتك ودعم أفكارك كي تستطيع الشروع في العمل، وبهذه الطريقة، تمكنت الدكتورة ضميدي ومن معها من النساء في الغرفة، من إنشاء شبكة داعمة تسمح بإيصال أفكارهنّ.
وبصفتها امرأة في متخصصة في مجال التكنولوجيا، فقد واجهت أيضًا اعتداءات صغيرة خلال الاجتماعات، فعلى سبيل المثال، إنّ أي إحصاءٍ يشير إلى عددٍ متزايدٍ من النساء في مجالٍ معين، يُنظر إليه كأمرٍ يجب أن تفخر هي به على وجه الخصوص، ولا يُنظر إليه باعتباره مدعى فخرٍ للصناعة، ويُضاف إلى ذلك اعتقاد الرّجال بأنّ النساء لا يستحققن المنح المقدمة إليهن، أو أنهنّ غير جديراتٍ بتولي مناصب ذات سلطة في مجال صناعة التكنولوجيا. ويظهر هذا بشدة حين تشير الإحصاءات إلى وجود عدد كبير من النساء يتخرجن للعمل في هذا القطاع، إلّا أنهنّ لا يحظين بفرص عملٍ لتطوير حياتهن المهنية.
وانطلاقًا من معرفة الدكتورة ضميدي بالطريقة التي يتم من خلالها تمثيل المرأة في قطاع التكنولوجيا، فهي من أشدّ الداعمين لمبدأ تمكين النساء والشابات في هذا القطاع. وهي عضو مجلس إدارة في كلٍّ من “مؤتمر المرأة في الهندسة”، و”مؤتمر النساء العربيات في مجال الحوسبة” منذ عام 2014. وفي عام 2017، أصبحت أول امرأة تترأس معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات (IEEE) في فلسطين، وحصلت لاحقًا على عضوية عليا من الـ IEEE لم يسبق لامرأةٍ أن حصلت عليها. وفي عام 2019، أصبحت المديرة الإدارية لمنظمة الفتيات في مجال التكنولوجيا في فلسطين (Girls in Tech in Palestine)، في فصلها الأول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
خلال فترة الإغلاق العام لسنة 2020، قامت الدكتورة ضميدي بتطوير أول منصة عربية للابتكار الاجتماعي عبر الإنترنت في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (VTech Road)، مستوحيةً ذلك من التعلم عبر الانترت. وتركز هذه المنصة على ريادة الأعمال وأهداف التنمية المستدامة. كما تهدف للوصول إلى الشابات في المناطق المحرومة في فلسطين. وحتى الآن، شاركت أكثر من ثمانين امرأة في البرنامج وأتيحت لهن الفرصة لطرح أفكارهن ومشاريعهن أمام قضاة وخبراء من جميع أنحاء المنطقة العربية. وكذلك تترأس ضميدي تطبيق Guardian-A، وهو تطبيق شامل ذو تقنية عالية، يعمل على الهواتف المحمولة، ويقدم منتجًا متاح الاستخدام وقابلًا للتخصيص، وذلك من أجل ضمان سلامة المرأة وصحتها الجنسية عبر توفير خدمات الوقاية والطوارئ والدعم.
في الواقع، إن النجاح لا يخلو من التحديات. فقد فكرت الدكتورة ضميدي في الاستقالة أثناء الدراسة للحصول على درجة الماجستير، إذ إنها كانت مشتتة للغاية في حينها. في تلك المرحلة ، تدخلت عائلتها – وتحديداً والدها – وأخبروها أنهم سيؤيدون أي قرار تتخذه، كما نصحوها بأخذ إجازة لمدة أسبوعين، والعودة إلى فلسطين لقضاء فترة من الراحة. وبعد مرور هذين الأسبوعين، قررت الدكتورة ضميدي العودة إلى المملكة المتحدة، وإكمال العمل على تحصيل درجتي الماجستير والدكتوراه. لهذا السبب ولغيره من الأسباب، تشعر الدكتورة ضميدي بالامتنان الشديد لدعم أسرتها المستمر.
وتعتقد الدكتورة ضميدي أنه يجب أن يكون هناك اتصال منظم بين القطاع التعليمي والقطاع الخاص. وفي هذا الصدد، يتعين على الحكومات العمل على سياسات التوظيف من أجل ضمان توفير فرص متساوية للرجال والنساء في جميع القطاعات من الناحية الأولى، وبهدف توفير أجور متساوية للرجال والنساء من الناحية الثانية، وبغية مساعدة الأجيال الشابة على اتخاذ القرارات الصحيحة بشأن حياتهم المهنية في المستقبل من جهة ثالثة. كما أنّ السوق اليوم مشبع بالشباب الذين يدرسون الهندسة أو الطب، إلّا أن التركيز هو أقل على المجالات الأخرى التي تعد بمستقبل مثمر مثل الذكاء الاصطناعي.
أما بالنسبة إلى القطاع التعليمي، فتقع على عاتقه المهمة الصعبة والملحّة، ألا وهي توفير فرص تعليمية متساوية للفتيات الصغيرات، وإشراكهن في محادثات حول الهندسة والبرمجة والتكنولوجيا وغيرها من المهارات التي تتناسب مع القرن الحادي والعشرين، وذلك من أجل تحضيرهن بشكل مناسب للمستقبل. وتحتاج المدارس ووسائل الإعلام أيضًا إلى تمكين الشباب – وخاصة الفتيات – كي يتمكنوا من اتخاذ قراراتهم الخاصة بشأن حياتهم المهنية في المستقبل، بدلاً من الانقياد خلف ما يعتبره المجتمع مسارًا مناسبًا، وذلك من خلال تزويدهم بأمثلة حول النساء الناجحات في مختلف المجالات.
وتنصح الدكتورة ضميدي الفتيات والشابات بمتابعة ما يحببن والتحمس من أجله. وهي تؤكد لهن أيضًا أنه “لا بأس في أن تجهل ما تريد أن تكون في المستقبل” وتضيف “هذا حال معظم الأشخاص، وهو أمر طبيعي.” وهي تعتقد أنه من الضروري للمرء أن يختبر أشياء مختلفة حتى يجد ما يروق له ويكتشف ما يود تحقيقه، وتضيف قائلة “بإمكان أي شخص أن يقوم بأي شيءٍ إذا أحبه، حتى لو كان ينتمي إلى فئة من الأقليات”. وتقول أيضًا: “من المهم للمرء أن يحظى بنظام دعم قوي يعمل على تشجيعه، سواء أكان هذا التشجيع من الزملاء أو من الأصدقاء أو من العائلة.”
هذه القصة من تأليف غادة القواص
Leave a Reply