Site icon The Asfari Institute for Civil Society and Citizenship

لماذا يجب أن تكون الاستجابة لأزمة كورونا متحسسة جندريًا؟

علياء عواضة​

في ديسمبر/كانون الأول 2019 ظهر فيروس “كوفيد-19” للمرة الأولى في مدينة ووهان الصينية. في 21 شباط 2010 سُجِلّت أول حالة في لبنان وفي 11 مارس/آذار 2020، أعلنت “منظمة الصحة العالمية” أن تفشّي مرض “كوفيد-19” قد بلغ مستوى الجائحة، أو الوباء العالمي. ودعت المنظمة الحكومات إلى اتخاذ خطوات عاجلة وأكثر صرامة لوقف انتشار الفيروس.

لا شكّ أن جميع الدول استنفرت أجهزتها الطبية في محاولة لاحتواء الوباء في بلدانها وتجنب الخسائر البشرية التي تنتج عنه. لكن ومن دون أدنى شك، لم يكن هناك أي خطط استجابة فورية تراعي الفئات المهمشة والمصنَّفة بالأكثر ضعفًا لا سيما النساء.

فما هو التأثير الجندري لجائحة كورونا في لبنان بمداه الآني، القريب والبعيد؟

نسب غير مسبوقة لشكاوى العنف الأسري في لبنان

التحديات الصحيّة التي تواجهها النساء خلال أزمة كورونا هي ليست التحديات الوحيدة، فللأزمة أيضاً تداعياتها على الصعد النفسية، الإجتماعية والاقتصادية، التي تهدد وجودهنّ وبقائهنّ على قيد الحياة. المديرية العامة للأمن العام في لبنان أعلنت عن ارتفاع نسب العنف بمعدّل 100% خلال شهر آذار 2020 مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي. العديد من النساء والفتيات يعشنّ اليوم في خطر التعرض للتعنيف والقتل لأنهنّ مجبرات على البقاء في نفس المنزل مع معنفيهنّ وهنّ غير قادرات على تخطّي ذلك بسبب الإجراءات الناتجة عن الحجر المنزلي، حيث تحولت أخبار العنف ضد النساء إلى أجندة يومية، تفرض علينا قراءة خبر قتل فتاة هنا، وطعن سيدة هناك وأخرى يتم تعنيفها في الشارع وحرمانها من أطفالها. في تقريرها الشهري عن حالات العنف في لبنان، تخوفت منظمة “كفى” من ارتفاع نسبة العنف في الأسابيع المُقبلة، إذا طالت فترة الحجر وزاد الوضع الإقتصادي تدهوراً.

من جهتها المنظمات النسائية والنسوية في لبنان تكثّف عملها التوعوي على كافة وسائل الإعلام التقليدية والجديدة للابلاغ عن الخدمات التي تقدّمها وخاصة النفسية والقانوينة، إضافة إلى الحماية من دور آمنة وغيره، في الوقت الذي تحاول فيه القوى الأمنية التجاوب قدر الإمكان مع الشكاوى القانونية وخاصة على الخط الساخن الخاص بها 1745 وفي المخافر عند تقديم الشكاوى. القضاة بدورهم يحاولون التأقلم مع الوضع الجديد واستنباط طرق جديدة لاستصدار قرارت حماية منها الاستماع الى شهادت السيدات المعنفات عبر تقنية “الفيديو كول”  .

للأسف فان هذه الإجراءات لا تزال متواضعة أمام الواقع وحاجاته، فممّا لاشكّ فيه أن الاستمرار بالحجر المنزلي يزيد من الخطورة على حيوات النساء والفتيات في لبنان، رغم الجهود المبذولة لتفادي المزيد من العنف نتيجة الأوضاع والأعباء المختلفة التي يفرضها الحجر المنزلي وأبرزها فقدان الوظائف والوضع الاقتصادي المنهار تمامًا والتي تضع النساء والفتيات الفئات الأكثر تهميشًا في دائرة العنف المسلط عليهنّ من قبل الرجال في العائلة سواءً كانوا أزواجًا، اخوة، أبناء أو أهل.

بين الالتزامات المهنية والواجبات المنزلية…أعباء اضافية على النساء!

في الوقت الذي تمّ فيه اعلان التعبئة العامة في لبنان، أخذ مفهوم  العمل من المنزل منحىً جديدًا لدى النساء اللواتي لا يزلن يتحملن أغلب أعمال الرعاية ويضطررنّ في نفس الوقت الى القيام بكافة التزامتهنّ المهنية من المنزل. فالى جانب الثماني أو التسع ساعات من العمل خلف الكومبيوتر المحمول، تُضطر النساء الى تعليم أطفالهنّ، والقيام بأعمال التنظيف وطبعًا الاهتمام بكافة شؤون العائلة والاعتناء بكبار السنّ في ظل توزيع غير عادل أبداً للمهام. وتقول النساء إنَّ الوضع الحالي يشكل أعباءً إضافية تؤثر على إنتاجيتهنّ وعلى نوعية الأعمال التي يقمنّ بها، ولكنَّه أيضًا يضعهنّ أمام تحديات جديدة تتمثّل بالتأقلم مع وضع صعب ويعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا الجديدة سواءً لتنفيذ الأعمال أو لتدريس الأطفال أو حتى تسليتهم/ن.

كثر من السيدات والأمهات يطرحنّ التواجد على مواقع التواصل الاجتماعي وحماية فتياتهنّ كتحدِّ أساسي في الوقت الذي ترتفع في نسب جرائم الابتزاز والعنف الجنسي بشكل كبير حيث تقضي النساء والفتيات معظم أوقاتهنّ على هذه المواقع سوى بهدف العمل، التسلية او حتى التعلم.

ماذا عن مشاركة النساء في التصدّي لجائحة “كوفيد-19” وكيف سيتأثرن اقتصاديًا – خاصة الفئات المهمشة؟

على الرغم من أن النساء في لبنان يشكّلن خط الدفاع الأول أمام جائحة “كوفيد-19” وخاصة في القطاعات الصحية والخدماتية، حيث تبلغ نسبة النساء 79% في القطاع التمريضي، وهنَّ الأكثر عرضة لالتقاط العدوى، الاّ أَّنه وللأسف سيكنّ أيضًا الأكثر تضرراً اقتصاديا من هذه الازمة، حيث أشارت “الاسكوا” في دراسةٍ لها، إلى أنّ المنطقة العربية ستفقد 1.7 مليون وظيفة على الأقل في عام 2020 نتيجة جائحة كورونا، وأنّ عدد النساء اللواتي سيفقدن هذه الوظائف يُقارب الـ700 ألف. وأكدت الاسكوا أنَّ القطاع غير الرسمي قد يكون الأكثر عرضة للخسائر، وحيث أن نسبة 62٪ تقريباً من النساء العاملات في المنطقة العربية يعملن في هذا القطاع، فإن النساء سيتكبدنّ هذه الخسائر بشكل غير متوازٍ، في وقت تقوم الكثير منهنّ بصرف مدخراتهنّ على العائلة في الوقت الحالي، الأمر الذي سيضعهنّ في موقف ضعيف جداً عند انتهاء الأزمة.

 يضاف إلى ذلك الخطر الكبير الذي سينتجه الوضع الاقتصادي الصعب والمتمثل بانعدام الأمن الغذائي للنساء والفتيات وما يتبعه من ضعف للمناعة اذ أنّ ” توزيع الغذاء داخل الأسرة غير منصف دائمًا، خاصةً أنّ النساء والفتيات أكثر عرضة لتقليل كمية الغذاء وجودته وتبني استراتيجيات سلبية للتكيّف وفقا للاسكوا.

وفي الوقت الذي نتحدّث فيه عن الوضع الاقتصادي للنساء في لبنان لا بدّ من التطرق إلى الوضع الصعب الذي تعيشه العاملات المنزليات المهاجرات واللواتي يعشن في ظروف عمل غير لائقة وسيئة في كثير من الأحيان. هؤلاء العاملات والتي بدأت أزمتهن بالتوازي مع الإنهيار الاقتصادي في لبنان وما يعرف بأزمة الدولار، حيث لم يعد بمقدور العائلات اللبنانية الدفع بالعملة الصعبة ،ما أدى إلى خسارة عدد كبير منهنّ أكثر من 60% من قيمة رواتبهنّ الضئيلة أصلا. ثم جاءت جائحة كورونا لتضيف المزيد من الأعباء الاقتصادية عليهن. وبينما تعمل هذه العاملات المهاجرات ساعات غير مقبولة تصل إلى عشرين ساعة يومياً أحيانًا، بسبب تواجد العائلة في المنزل طوال النهار والليل، وازدياد أعمال التنظيف والرعاية، من دون مقابل مادي منصف حتى أنه في بعض الاحيان يكون من دون بدل مادي نهائياً أيضًا، ناهيك عن عدم توفر المعدات الوقائية والمعلومات اللازمة للعاملات لحماية أنفسهنّ وخاصة عند رعاية أشخاص مرضى أو عند التنظيف بمواد حارقة أو قوية المفعول.

ما مدى أهمية أن تكون الاستجابة لجائحة “كوفيد 19” متحسسة جندريًا؟

إن النساء في لبنان يتواجدن في الصفوف الأمامية لحماية المجتمع من تأثيرات جائحة “كوفيد-19” على كافة الأصعدة، ولكنهنّ في الوقت نفسه يعتبرن من الفئات الأكثر ضعفًا وتهميشًا خلال الأزمات وبالتالي على كافة الفرقاء في لبنان وخاصة الحكومة اللبنانية إقرار استراتيجيات تخفّف من آثار هذه الأزمة على النساء سواء الاقتصادية، الاجتماعية، القانونية، النفسية وغيرها. بمعنى آخر على كافة الاستراتجيات موضع البحث والوضع أن تكون متحسسة جندرياً وقادرة على حماية النساء في هذه الأوقات الصعبة:

راديو الحى هو مشروع تشاركى، بوقت صعب فيه التشارك نظرًأ للحجر الصحى يلى عايشينه. نحنا مجموعة من الأصدقاء، عايشين ببيروت، منجتمع ب مانشن، بحى زقاق البلاط. برنامجنا عفوى جدًا منتشارك موسيقا عبالنا نسمعها سوا، منقرأ كتب، منبث تسجيلات صوتية من الماما مواد من أرشيف راديوهات تاريخية، وما إلى ذلك، رح تسمعونا عم نسلم على أصدقائنا، ب بيروت وخارجها. وعم نوزع حب يمين وشمال لأنا كلنا لحاجة لحب هى الأيام. يمكن الشئ الوحيد الناقص هو العبطات والبوسات. بس يمكن رح تحسوا فيهن وإنتوا عم بتسمعونا. على وتيرة بطيئة، تعوا نسمع.”


عن المؤلفة

علياء عواضة، ناشطة نسوية وصحفية، حاصلة على ماستر في الإعلام من جامعة بيروت العربية، عضوة مؤسسة ومديرة الحملات في جمعية Fe-Male عملت في العديد من المنظمات الدولية والمحلية وتكتب مقالات رأي في أكثر من موقع الكتروني .وصحف يومية


Exit mobile version