الإذاعات فى زمن الكورونا

إسلام الربيعي

ظهر إلينا مطلع العام الجارى فيروس كورونا القادم من الصين، والمعروف أيضًا بأسم فيروس كوفيد 19، أجبر هذا الفيروس أكثر من ثلثى سكان الكرة الأرضية على الحجر المنزلى بعد أن أصاب قرابة الثلاثمائة ألف إنسان، وتسبب فى وفاة ما يقارب الثلاثين ألفًا، بسبب هذا سيواجه العالم آجلًا أم عاجلًا حالة من الركود الاقتصادى والتى لم يتخلص العالم بعد من آثار الأزمة الأخيرة فى عام 2008، فى هذا السياق ظهرت عدد من المبادرات فى شكل إذاعات راديو تُبث فى عدد من عواصم الدول العربية والأوروبية، كنتيجة لحالة البيات االإجبارى الذى أصاب العالم، فى هذه الورقة سنتحدث عن خمس محطات إذاعية هى: راديو الحمام من برلين، راديو الحارة من فلسطين، راديو قديمك نديمك من دير عطية، راديو الحومة من تونس، وأخيرًا راديو الحى من بيروت.

                  تعتبر فكرة الخمس الإذاعات مقتبسة من مشروع راديو كوارتيرة، والذى قام به مجموعة من الأصدقاء بمدينة ميلانو الإيطالية للتسلية فى وقت الحجر الصحى المفروض على إيطاليا. أربعة إذاعات من الخمس إذاعات نصت صراحةً فى تعريفها لنفسها على أن هذا المشروع هو مشروع تشاركى، والخامس -راديو قديمك نديمك- قد نص ضمنيًا على ذلك أيضًا.

تهدف الإذاعات بالأساس لخلق مساحة إفتراضية مشتركة بين الناس بعدما أُجبروا على البقاء فى منازلهم لفترة غير محددة حتى الآن، ومن ثم يسعوا لخلق مساحة بديلة يتشاكوا فيها بعض الأفكار والموسيقى، بعض الإذاعات لها برنامج محدد يمكن الإطلاع عليه، وتدعوا المستمعين للمشاركة، المحطات هنا  لا تعتمد فقط على بث الأغانى، ولكن هناك مساحات للسرد وقراءاة الكتب، يكون المستمع هو البطل فيها من خلال تقديم ترشيحاته، بل يكون له مساحة للمشاركة من خلال استمارة يقوم بتعبئتها ويُحدد له وقت ليظهر فيها بصوته من خلال هذه الإذاعة.

تعتبر راديو الحمام من برلين أكثر الإذاعات التى تظهر لها أيدلوجية واضحة فهو راديو يتبنى الايدلوجية النسوية ضد الرأسمالية والأبوية، تسعى لأن تستمر هذا التجربة حتى بعد نهاية هذه الفترة من الحجر.

ما الذى سوف يحدث فى العالم؟ ما الذى يجعل تلك المبادرات تظهر؟ مما يخافوا؟ إلى أى شئ يدعون؟ إنهم يفتقدوا التواصل فأخترعوا وسيلتهم للتواصل ليخلقوا فضاء مشترك لهم بعدما منعوا من وجود هذه المساحة على أرض الواقع. ما الفرق بين هذه المساحة والمساحات الموجودة سابقًا فى وسائل التواصل الاجتماعى؟

أولًا: راديو الحمام من برلين (ألمانيا)

“حمام راديو أو راديو الحمام هو مشروع تشاركى نسوى، ينطلق من برلين. تم تأسيسه بناءً على إيماننا وقناعاتنا الأولى بأن أصوات النساء تهم الآن أكثر من أى وقت مضى، فى زمن تواصل فيه الرأسمالية والأبوية قمع أصواتنا وأجسادنا. من جهة هو امتداد ل “حمام توكس”، مبادرة أسستها وقامت عليها كل من رشا حلوة، عبير غطاس، وطاقم مقهى “بيكش” فى برلين، من جهة أخرى هو امتداد أيضًا لمبادرة “راديو الحى” الذى أطلقه مجد الشهابى” وأصدقاء وصديقات بيروت، تزامنًا مع الحجر الصحى جراء فيروس كورونا المستجد. سيشبه راديو حمام الفكر التى تأسس عليها حمام توكس حيث تلتقى نساء، وكل من تعرف نفسها على أنها امرأة، من خلال الفضاء الصوتى الافتراضى، ليتحدثن، يشاركن يفكرن، يصرخن، يبكين، يضحكن، يغضبن، يعشقن، يمارسن، ما يشأن، يشتمن، يرقصن، (هنا يعمل الخيال المجيد) يغنين، يشغلن الموسيقى، والأغانى على مزاجهن، يقرأن، يسردن قصصًا، وما إلى ذلك من أفعال يخترن القيام بها داخل الحجر الصحى وعلى الملأ صوتيًا. الحمام فى حمام راديو جائت من وحى ما تشكل الحمامات الشعبية فى الثقافات العربية، الفارسية والتركية، وغيرها، وفى حيوات الناس، نساءًا ورجالًا، حيث تتحول الفضاءات العامة إلى خاصة، تستعيد ملكيتها النساء من خلال الاستحمام، القصص، النميمة، الترابط المجتمعى، وما إلى ذلك من تفاصيل نعرفها. هذا الراديو هو محاولة لاستعادة فضاءتنا العامة، فى كل مكان، من خلال فعل التعرى، الذى ستختاره كل المشاركات كيفما تشاء. على أن لا ننسى، أن كل هذا هو محاولة لتوزيع حب وأحضان وقبلات، فى زمن الحجر الصحى، لعل كل من تسمعنا ويسمعنا، يشعر بذلك”

ثانيًا: راديو الحارة من بيت لحم ورام الله (فلسطين)

“راديو الحارة بكمل على حرف ال ح فى اسم راديو الحى وراديو الحومة ويستلهم الفكرة منهم ومن الملل العام وعدم معرفة شو عم بصير أو راح يصير بهادا العالم… هذا الراديو مشروع تشاركى ببلش من بيت لحم ورام الله ورح يمتد لمدن ومناطق تانية فى فلسطين والعالم، رح نفتح المساحة للسمع والاضافة والنقاش والحوار، بحيث نقدر نقضى العزلة ونحنا عم نتواصل مع بعض ونذكر بعض ببعض. طبعًا مش رح نعرف كل الى رح يسمعوا ولا كل اللى رح يضيفو أو يبثو، وهدا جزء من الحالة الديجتالية العامة اللى كلنا عم نعيشها… بس بنبعث شوق وأمل للجميع وبنقلهم: بنشوفكم على خير… خليكم معنا عالسمع من غرفة النوم لغرفة القعدة وبالعكس…”

ثالثًا: راديو قديمك نديمك من دير عطية (لبنان)

“راديو قديمك نديمك مشروع بيحاول يخفف قدر الامكان العزلة اللى عايشينها ببيوتنا وبعيدين عن التواصل المباشر مع الأشخاص اللى بنحبن وبيحبونا. فى الوقت اللى كل العالم عم يمر بمرحلة عصيبة ومقلقة. رح نتشارك أغانى وقصص وحاكيا من الضيعة (دير عطية)، القلمون وسوريا ومن بلدان ومناطق مختلفة من هذا العالم واللى رح يكون أغلبها قديم وتراثى ويمكن مغمورة وما كتير معروفة، لنتعرف أكتر على بعض من خلالها”

رابعًا: راديو الحومة (تونس)

“راديو الحومة هو مشروع تشاركى ومحاولة تواصل وتنفيس فى وقت العزلة المنزلية والتباعد الاجتماعى. استلهمنا الفكرة من الأصدقاء فى راديو الحى فى بيروت اللى هو ما استلهموا الفكرة من راديو كوارتيرى فى ميلانو. بدينا من ديار فى حى المهرجان ونبث من كل حومة وكل جهة وكل دار لتونس وللعالم أو من العالم إلى تونس. إحنا أصدقاء ومعارف ومعارف المعارف وناس تعرف بعضها أو متعرفش بعضها، قاعدين بنلعبو موزيكا، محكيو نفذلكو ونعملوا جو فى هذى الأوقات الصعبة علينا الكل. نبعث حب للى يسمع وأحضان افتراضية للى يحتاجها”

خامسًا: راديو الحى من بيروت (لبنان)

راديو الحى هو مشروع تشاركى، بوقت صعب فيه التشارك نظرًأ للحجر الصحى يلى عايشينه. نحنا مجموعة من الأصدقاء، عايشين ببيروت، منجتمع ب مانشن، بحى زقاق البلاط. برنامجنا عفوى جدًا منتشارك موسيقا عبالنا نسمعها سوا، منقرأ كتب، منبث تسجيلات صوتية من الماما مواد من أرشيف راديوهات تاريخية، وما إلى ذلك، رح تسمعونا عم نسلم على أصدقائنا، ب بيروت وخارجها. وعم نوزع حب يمين وشمال لأنا كلنا لحاجة لحب هى الأيام. يمكن الشئ الوحيد الناقص هو العبطات والبوسات. بس يمكن رح تحسوا فيهن وإنتوا عم بتسمعونا. على وتيرة بطيئة، تعوا نسمع.”


عن الكاتب

.​إسلام الربيعي, باحث مشارك في معهد الأصفري للمجتمع المدني والمواطنة في الجامعة الأميركية في بيروت


Leave a Reply