علياء عواضة
في السابع عشر من شهر تشرين الأول بدأت الثورة في لبنان وبدأت معها موجة الإحتجاجات الشعبية في كافة المناطق وهي لا تزال مستمرة منذ ما يزيد عن الشهر. الوضع الإقتصادي الخانق كان سببًا واضحًا ورئيسيًا للغضب الشعبي. تظاهرات جابت كافة المناطق اللبنانية من شماله الى جنوبه…نساء كُنّ في المقدّمة، قيادةً ومشاركةً…. ويقفن حواجز منيعة أمام القوات الأمنية.
فكيف كان مشهد مشاركة النساء في ساحات الثورة؟ هذه الثورة التي نجحت باعطاء المواطنين والمواطنات املًا بالتغيير، فتحولت شوارع الوطن الى ساحات للتعبيرعن سخطِ ووجع عائلات حرمت من رؤية أولادها لانهم هاجروا من دون عودة، ألم ودموع أمهات بكين على بناتهن ضحايا الاغتصاب والعنف الأسري، وغضب شباب وشابات تخرجوا/ن من الجامعات فعلّقوا/ن شهاداتهم/ن على جدران غرفهم/ن وبقيوا/ن عاطلين/ات عن العمل.
المشاركة تنعكس بشكل واضح في المطالب المرفوعة من قبل المشاركين/ات في الثورة
لا شكّ أن مشاركة النساء في الحراك كانت ملفتة، وبغض النظر عن أن النساء كن يمارسن دورهن الطبيعي في التواجد في الميدان إلا أن المشاركة أخذت طابعاً يعكس بشكل جلّي التغيّر والوعي الحاصل في كل ما يتعلق بالنساء وحقوقهن.
فبين ابتكار الهتافات، قيادة التظاهرات وافتراش الشوارع ، كانت البوصلة الأساسية واضحة : نحن موجودات هنا لمواجهة ومحاسبة منظومة أبوية وذكورية مارست ضدنا قمعًا ممنهجًا على مدى السنوات الماضية. منظومة حرمتنا من منح حق الجنسية لعائلاتنا، قمعتنا اقتصاديًا وقامت بتسليعنا فاستسهل المجرمون ممارسة العنف الجنسي ضدنا. منظومة أقصتنا عن مواقع صنع القرار فأصبحت مشاركتنا السياسية مقتصرة على وزارة هنا وأخرى هناك وعدد خجول من النائبات. منظومة أبويّة قامت بإقصائنا اجتماعيًا ومنعت إقرار قانون التحرش الجنسي بالنساء في البرلمان وعاملتنا كمواطنات من الدرجة الثانية يُحرمن من أطفالهن متى ما قرّر قاضٍ أن الذكورية والأبوية هي من يجب أن تفوز بحضانة أطفالهن.
مطالب كثيرة حملتها النساء، فكانت حناجرهنّ تصدح طلبًا للمواطنة الكاملة والتغيير. مطلبان لا يتجزءان أبدًا. تغيير طمعًا بمستقبل ووطن على قدر الآمال والطموحات، ومساواة لن يُبنى المطلب الأوّل دونها.
إن التظاهرات التي كانت تتوحّد تحت مطالب معيشية واقتصادية واحدة عكست وبشكل كبير وضوح الرؤية لدى النساء اللبنانيات. رؤيتهن لوطن قائم على العدالة الإجتماعية التي تتكّرس بالمساواة. ومن دون أدنى شك، فان الجهد الكبير الذي مارسته المنظمات النسائية والنسوية لمناصرة القضايا المطلبية الخاصة بالنساء والعمل على تعديل القوانين التمييزية ورفع الوعي حول هذه المطالب على المستويين المحلي والوطني كان له الأثر الكبير فيما نراه اليوم في الشارع.
حضور النساء في شوراع لبنان كان كبيًرا وواضحًا، نساء صور كن يهتفن لنساء طرابلس، ونساء طرابلس يهتفن لنساء بيروت يحملن الميكروفونات ويدرن في الشوارع رفضًا للظلم، ويرسمن الغرافيتي على الجدران تأريخًا لثورة كنّ أساسًا لا يتجزأ منها. ولكن، وعلى الرغم من حجم المشاركة الكبيرة والفعّال للنساء، كان لافتًا بعض التقارير التلفزيونية والمقالات (اغلبها من وسائل اعلام اقليمية) تلقي الضوء على المميزات الجمالية للنساء اللبنانيات المشاركات في الثورة بغض النظر عن دورهنّ الامر الذي ترافق مع “تحرش” إلكتروني ممنهج. وكأنما حق التظاهر والمطالبة بالحقوق يتعارض مع شكل النساء الجميل وبالتالي عليهن اخفاء هذه المفاتن والبقاء في المنازل والإكتفاء بمشاهدة التغيير يصنع في الشوارع والساحات.
هذا التعامل مع حضور النساء في الثورات وتواجدهن في الصفوف الأمامية عكس عقلية البعض التي كانت ولا تزال ترى في النساء شكلًا يصلح فقط ليكون تابعًا لمنظومة أبوية تتمثّل في الأحزاب أو العائلة. فوجودها شكلي ليس له أي تأثير يذكر على موازين القوى أو السياسات. وهو تحديدًا واحد من الأسباب التي نزلت النساء من أجله الى الشارع. نزلت لتقول أنا باقية هنا لاحقاق التغيير المنشود.
لكن التحرّش الالكتروني لم ينعكس أبدًا فعلًا واضحًا او مستفزًا على أرض الواقع حيث تتظاهر النساء والفتيات، ويتنقلن بحريّة بين الساحات. لغاية يومنا هذا وعلى الرغم من عدم صدور أية تقارير رسمية، عدد قليل فقط من حوادث التحرش تمّ التبليغ عنه قد لا يتجاوز أصابع اليد. النساء في هذه الثورة كسرن حاجز الخوف وكنّ يقفن حاجزًا منيعًا امام القوى الامنية منعًا لاعتقال رفاقهم أو ضرب أحدهم. كسرن حاجز الخوف من التنقل ليلاً أو وحدهن وقمن باغلاق الطرقات والتصدّي لأية محاولات لخرق الصفوف. وأيقونات الثورة الرافضات للعنف الموجّه ضدهنّ كان أكبر دليل على عمق ثقة النساء بانفسهن وبغيرهن من النساء.وبعدما كان الرجال وفي كثير من الحراكات السابقة يقدن الدفّة نزلت النساء إلى الميدان بكل ثقة وقوّة.
ابداعات النساء على جدران بيروت ومشاركة استثنائية ضمن مساحات النقاش في مختلف المناطق
لم يكن وجود النساء في شوارع لبنان محض صدفة، فهن اللواتي لطالما كُنّ يحاربن المنظومة الأبوية على مدى السنوات الماضية من أجل تكريس حقوقهن . والمطالبة بحقوقهن في الثورة كان لها اساليبها المتميزّة فما بين الرسم على الجدران والمشاركة في مساحات النقاش كانت النساء تحتل الميادين وتبدعن في ايصال اصواتهن.
في وسط بيروت، وما بين الأبنية القديمة ذات الطابع التاريخي والجدران العادية/ أشعلت أنامل النساء وريشة ألوانهن نيران الثورة فكانت رسمات متعددة من الغرافيتي تعكس طموحاتهن بلبنان جديد، لبنان “طائر الفينيق” الذي يقف شامخًا بعد كل مطبّ يمر به البلد. ظلم المحاكم الدينية، والثورة على المنظومة الأبوية وراقصة الباليه الثائرة على كل شيىء انعكست برسومات وستانسل حاضرة بقوة على الجدران. بعض الفنانات استخدمن أسلوبهن الخاص في التعبير عن واقع النساء في لبنان وبعضهن الآخر لجأ إلى أبرز العبارات المعتمدة في المظاهرات لكتابتها أو رسمها على الجدران.
أما مساحات النقاش، فقد شهدت مشاركة واسعة للنساء سواءً على صعيد المواضيع المطروحة والتي تتعلق بحقوق النساء والقوانين المجحفة بحقهن، أو كمحاورات حيث أظهرن انهن محاورات من الطراز الرفيع، اقتصاديات، محاميات وحقوقيات تنقلن بين المناطق ليتحدثن للمتظاهرين/ات عن حقوقههم/ن، الوضع الاقتصادي وسبل احتواء الازمة الإقتصادية، قانون الاحوال الشخصية المدني ، ودور النساء بشكل عام في المرحلة الانتقالية وما بعدها.
ماذا عن دور النساء في المرحلة الانتقالية ؟
من دون أدنى شك، فإن ما قبل السابع عشر من تشرين الاول ليس كبعده للبنان ككل والنساء بشكل خاص. لان مشاركة النساء في الثورة لم تكن مشاركة اعتيادية، بل كانت مشاركة مصيرية كان هدفها الأول والأخير المطالبة بالتغيير والعدالة الإجتماعية التي لن تستوي الا بإحقاق المساواة بين الجنسين على مختلف المستويات القانونية، الاجتماعية والاقتصادية. ولعلّ الحديث عن الحكومة الجديدة هي فرصة للبدء بالتغيير وعكس مطالب المواطنين والمواطنات باشراك النساء فيها من صاحبات الإختصاص واللواتي أوضحن وبشكل كبير حاليًا وسابقًا قدتهن على القيادة وتمكنهن من الابداع على كافة المستويات.
ان المطالبة بالمساواة ليست شعاراً يرفع للحصول على انتباه وسيلة اعلامية هنا او مجموعة هناك، هو مطلب اساسي يجب يطبق بهدف تغيير أفضل.
ولعل الأهم في هذه المرحلة التأكيد على مطلب المواطنة الكاملة للنساء على أساس المساواة الديمقراطية وتنزيه القوانين من أجه التمييز المختلفة لتعكس رقي وواقع ابناء هذا الوطن مما شهدنه في الشارع، قوانين وسياسات على قدر تطلعات وإبداع أهل هذا الوطن!
عن المؤلفة
.FE-MALE علياء عواضة ناشطة نسوية ومديرة مشاركة في
Leave a Reply