هبة خضر
بعد أكثر من شهر على أنطلاقها تستمر الثورة بشعارتها المكتوبة وهتافاتها المسموعة وجلساتها المفتوحة وتستمر معها الدعوة الى المواصلة الثورة لحين تحقيق أهدافها وواحد من أهم أهدافها ومطالبها و الذي مرتبط ارتباطا وثيقا بالكثير من أهدافها الاخرى ويدور حول أمر بالغ الأهمية وهو مكافحة الفساد ولايمكن مكافحة الفساد والوقاية منه واسترجاع الاموال المنهوبة عبر قضاء مستقل واعداد قانون انتخابي عادل لاجراء إنتخابات مبكّرة دون أن يكون دعم الشفافية جزءا من المنظومة الفكرية والتطبيقية وضمانها ضمن عملية تطهير رؤية وبرنامج عمل تشارك فيه الشخصيات الناشطة في الحقول السياسية والاقتصادية والاعلامية والثقافية وكذلك الناشطين والناشطات في العمل الجماهيري من الذين ينشطون في الحراك في بيرةت وبقية المناطق اللبنانية.
ما هي الشفافية؟
الشفافية هي اتاحة المعلومات مباشرة من المصدر من دون تلاعب أو أجندات خفية. وهنا نتكلم عن الشفافية بين الحكومة (والمؤسسات التابعة لها) والشعب/ المواطنين. وفي هذا الاطار وضمن هذا المفهوم فإن الشفافية تدعو الى تحديد “قواعد اللعب” وتطوير الآليات المناسبة للمساءلة والتحقق فلا مجال للسرية والتكتم ولا مجال لصفقات مشبوهة أو بيانات مغلقة. ومن أخطر النتائج التي يؤدي اليها انعدام الشفافية تعطيل “المشاركة الشاملة” للمواطنين وانتشار الفساد والمحسوبية والزبائنية والمحاصصة (منح العقود للسياسين والمرتبطين بهم) وبالتالي يكون دور المؤسسات الرقابية ضعيفا ويصبح المجتمع المدني يعيدا عن المراقبة.
ولا شك أن انعدام الشفافية هو من أهم العوائق للتنمية الاقتصادية وأن الفساد السياسي هو أكبر تحدي في منطقة الشرق الأوسط.
أما من ناحية العملية فان الشفافية تستلزم أن تكون مؤسسات الدولة منفتحة وأن تكون المعلومات المناسبة متاحة امام المواطنين الذين يخطون بفرص مجدية وعملية للرد ويكونون قادرين على إخضاع المسؤولين الحكوميين للمساءلة.
ومن اهم نتائجها: غرس ثقافة الانفتاح والمساءلة وهذا يعزز من ثقة الشعب بالدولة وآلياتها وموظفيها مما يخفض نسبة الفساد. من المعلوم أن ” الشفافية تصنع ثقة” وتعزز الاحساس العميق بالأمان والاستقرار.
تعدّ الشفافية ضمن الاطار القانوني “حقا” معترفا به دوليا. أما على الصعيد الوطني فإن معظم البلاد تكرس الشفافية في القانون كحق أساسي في الدستور فلكل فرد الحق في الحصول على أي معلومات لدى الدولة وأي معلومات لدى شخص آخر تكون مطلوبة لممارسة أو حماية أي حقوق. أما من ناحية العمل البرلماني فإنه يقع على عاتق المشرعين بناء الإطار القانوني والتنظيمي الذي يطالب بالشفافية من شركات القطاع الخاص فضلا عن الحكومة.
تضمن الشفافية عمل الموظفين العموميين وموظفي الخدمة المدنية ومديري وأضاء مجلس الإدارة ورجال الأعمال بشكل واضح وكذلك تضمن تقديم تقارير دورية عن أنشطة الدولة والقطاعات المعنية ونشر تقارير من قبل المدقق العام أو المؤسسة العليا لتدقيق الحسابات. و كذلك اتاحة الوصول بسهولة الى القوانين واللوائح والتقارير (أرشيف وطني (online وضمان التمويلات الكافية للتواصل والتوعية (حملة الوطنية/للتقوية الاعلامية) واستشارة خبراء لفتح واتاحة المنافسة العادلة.
يحتل لبنان وفق المنظمة الدولية للشفافية المرتبة 138 لناحية الفساد من بين 175 دولة وهو التاسع من الدول العربية من حيث مؤشر مدركات الفساد. ان الأحزاب السياسية والمرشحين المستقلين غير مطالبين بالتصريح عن أموال الحملات الانتخابية أو حسابات أحزابهم وكذلك لا يوجد لحسابات أحزابهم (أموال) موظفي القطاع العام (سرية مصرفية).
ما هي سياسات العامة والقوانين الموجودة المعنية بتعزيز الشفافية؟
أنشأت الجمعية اللبنانية لتعزز الشفافية العالمية Transparency International وقد تعاونت مع الUNDP في إنشاء الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد تحت برنامج Public Accountability Program في سنة 2005 وفي سنة 2016 أنشأت وزارة محاربة الفساد وكان عمل هذه الوزارة شبه معدوم نتيجة للوضع السياسي. وفي 2019 أصدرت قوانين في مجلس النواب لتعزيز الشفافية منها امكانية الحصول على معلومات متعلقة بالمؤسسات العامة وتعزيز وتقوية الشفافية في مجال النفط والغاز وقانون يحمي “المبلغين”(whistle blowers)
وهنا لا بد الاشارة الى اقتلراح القانون الذي صدر في 2018 لدعم الشفافية قي قطاع البترول. وحيث أن قطاع النفط والبترول يعدّ من القطاعات ذات العائد الريعي الذي يوفر موارد كبيرة في ميزانيات الدول مما يجعل القطاع مرتقا للفساد.
من هنا كانت الحاجة لإصدار تشريع يؤمن الشفافية عيلر ضمان المساهمة في تمكين المعنيين من امتلاك القدرات الأساسية اللازمة لتفعيل دورهم في تعزيز الشفافية والرقابة والعمل مع الاعلام والرأي العام والمهنيين من اجل توسيع نطاق الشفافية وتداول المعلومات والافادة من دور الاعلام في تكوين رأي عام ضاغط ودعم وتشجيع دور المجتمع المدني في تنقيذ مبادرات نوعية لتقديم وراقية السياسات العامة في الصناعات الاستراتجية
وقد عدد القانون المصادر البترولية في المياه البحرية والقوانين العامة المتعلقة بالفساد ومكافحته والوقاية منه العديد من الادوات الهامة منها رفع مستوى الشفافية في كل المعاملات بارقابة على كل مستويات الادارية والتشريعية وعلى مستوى المجتمع المدني ووضع ضوابط رقابية وادارة سليمة للرقابة المالية خاصة على مستوى هيئة ادارة قطاع البترول التي أنشئت بموجب هذا القانون وكذلك الرقابة التي تمارسها الوزارة المعنية.
من الواضح أنه ليس هناك نقص في القوانين المطروحة بل على العكس هي تتضمن حلولا جذرية وتطرح آليات مجديّة. المشكلة هي في التطبيق حيث أن أكثر هذه المراسيم والاقترحات موجودة في ادراج مجلس الوزراء أم عالقة في كواليس اللجان النيابية أو ضمن الأعمال المعطلة.
تظل الشفافية مجرد أضغاث أحلام في بعض الدول لكن حتى في أصعب المواقف الشفافية تحديا بدا واضحا أنه بمقدورنا كلبنانيين من خلال نجاح الانتفاضة الشعبية العارمة في كسر قرارت السلطة وفي هزّ شرعيتها لمصلحة الشرعية الشعبية أن نحقق مكاسب إن كانت تبدو الآن صغيرة. زمن الجدير بالذكر أنه من خصائص الانتفاضة الحالية تركيبها المتنوع على الصعد الاجتماعية والطائفية والمناطقية والسياسية والفكرية والعمرية مع الغلبة الكبيرة لجيل الشباب وقدرته البداعية.
لقد أصبح الانتقال نحو آفاق جديدة تعهد لتغيير جزري في طبيعة النظام القائم من الناحية الادارية والسياسية ضرورة ملحّة.
اليوم ونحن نحتفل بعيد الاستقلال عن طريق “العرض المدني” قد بات واضحا أن استمرار دولة الفساد بات مرفوضا بتاتا من قبل الشعب بكا فئاته.
إن الوصول الى الحكومة أو ” الحكم الرشيد” من خلال إيجاد آليّات فعالة لضمان الشفافية والمساءلة والمشاركة الشاملة في اتخاذ القرار تحت مظلة حكم القانون يظل من أولويات الثورة… حتى “يسقط الفساد”!.
عن المؤلفة
د. هبة خضر هي أستاذة مشاركة في الإدارة العامة والسياسة العامة في قسم الدراسات السياسية والإدارة العامة في الجامعة الأمريكية في بيروت ، لبنان. تركز أبحاثها على صنع السياسات العامة والإصلاحات الإدارية في دول مجلس .التعاون الخليجي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ، ودراسة العملية والمشاركين
Leave a Reply